وأما حديث: "من رآني في المنام". فقد أخرجه البخاري (110) ومسلم (2266) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي". وللعلماء في تفسير هذا الحديث أقوال أُجملها فيما يلي:
1- أن المراد بهذا الحديث أن من رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامه على صورته المعروفة وأوصافه الجسمانية التي دلت عليها الأحاديث فكأنه رآه في اليقظة، وكان محمد بن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: صف لي الذي رأيته فان وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره" ذكره البخاري في الصحيح معلقاً وسنده صحيح.
وأخرج الحاكم (8186) من طريق عاصم بن كليب: حدثني أبي، قال: قلت لابن عباس: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، قال: صفه لي، قال: ذكرت الحسن بن علي فشبهته به. قال: قد رأيته. وسنده جيد.
وقال القاضي عياض: "يحتمل أن يكون معنى الحديث: إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة لحاله، فإن رؤي على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة، فإن من الرؤيا ما يخرج على وجهه، ومنها ما يحتاج إلى تأويل".
2- وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بهذا الحديث أن كل من رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فإنه يراه حقيقة، سواء كانت رؤيته على حقيقته المعروفة أو غيرها، قال القرطبي: "الصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها، ولو رؤي على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله".