الأول: نصُّ بعض المتقدمين على أنه يكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهل، قاله ابن زيد من مفسري أتباع التابعين، ونصَّ على كونه من آيات عيسى العلامة اللغوي ثعلب، فقد نقل عنه الأزهري قوله: ذكر الله -جلَّ وعزَّ - لعيسى آيتين، إحداهما: تكليمه الناس في المهد فهذه معجزة.
والأخرى: نزوله إلى الأرض عند اقتراب الساعة كهلاً ابن ثلاثين سنة يكلم أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهذه الآية الثانية. تهذيب اللغة (6: 18) .
الثاني: أنه يلزم من رفعه أن يكون نزوله على حاله التي رُفع عليها، وهي مرحلة الكهولة، فيكون نزوله متمِّمًا لكلامه الناسَ في الكهولة، وعلى هذا تكون إشارة إلى نزوله إلى الأرض، وإتمامه بقية حياته فيها، والله أعلم.
وقد يرد السؤال عن سبب الإشارة إلى تكليمه في الكهولة مع أنه يقع من كل الناس.
فالجواب: أولاً: أن آية سورة آل عمران نزلت بشأن نصارى نجران، وفي ذكر تكليمه للناس في الكهولة أنه بشر يمرُّ بأطوار البشر، وليس كما يزعمه النصارى من كونه ولد الله، تعالى الله عن ذلك، أو كونه هو الإله، كما زعمته طائفة منهم أيضًا. وهذا المعنى أشار إليه محمد بن جعفر بن الزبير، ونصَّ عليه الطبري. (تفسير الطبري 3: 272) .
وأما آية المائدة ففيها الإشارة إلى تأييد روح القدس له في حال تكلمه في المهد وفي الكهولة، وكأن فيها إشارة إلى أنه مؤيد بالروح القدس في كل أحواله، والله أعلم.
وهذا يعني اختلاف الاعتبارين بسبب النظر إلى السياق فيهما. والله الموفق.