وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ َهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ ُبِينٌ" [المائدة:110] فقد ورد فيهما النص على كلامه الناس في مرحلة الكهولة، والكهل في لغة العرب هو من كان بين الثلاثين والأربعين، وخصَّه بعضهم بابن الثالثة والثلاثين، وذكر الأزهري شاهداً على إطلاقه على من فوق الأربعين، لكن الأشهر الأول، قال الطبري وأما قوله: "كهلاً": محنكًا فوق الغُلُومة ودون الشيخوخة (جامع البيان 3: 271) .
ومن ثَمَّ، فإن الله أخبر في الآيتين أن عيسى -عليه السلام- يكلم الناس في المهد وفي هذا معجزة ظاهرة، ويكلمهم حال كهولته، وذلك بعد نبوته وإرساله إلى بني إسرائيل، حصل بهذا أن عيسى -عليه السلام- قد حصل منه التكليم في المهد ببراءة أمه، والتكليم حال الكهولة بالنبوة قبل رفعه إلى السماء، وعلى هذا جمهور تفسير السلف، كما ذكره الطبري وغيره عنهم في تفسير كلامه في مرحلة الكهولة. هذا وقد نصَّ بعض المفسرين على أن هذا التكليم يكون بعد نزوله؛ وهذا صحيح باعتبار كونه رُفِعَ كهلاً، وأنه ينْزل وهو في سنِّ الكهولة. وهذا القول ـ وهو أن يكون مكلمًا للناس بعد نزوله ـ هو من لوازم القول الأول؛ لأنه رُفِع في حال كهولته، وبعد تبليغهم الرسالة في هذه الحال، فإذا نزل فإنه ينزل على ما كان رُفِعَ عليه، والله أعلم. من ثَمَّ فإن هذا المعنى ـ وهو الإشارة إلى نُزوله ـ حصل باعتبارين: