ومما تجدر الإشارة إليه أننا الآن في زمان قد تهيأت فيه الأسباب لتبليغ ونشر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في البلدان عن طريق الوسائل المختلفة التي جعلت سائر أقطار العالم كالبلد الواحد، إلا أن العذر بالجهل لا يزال ظاهراً في عصرنا، حيث قلَّ أهل العلم العاملون، وكثر الأدعياء الذين يزينون الكفر والباطل للعامة ويلبسون عليهم، وقد أشار ابن تيمية -رضي الله عنه- إلى أهل زمانه وما كان عليه الكثير من الوقوع في أنواع الكفر، ومع ذلك عذرهم بهذا الجهل قائلاً: "وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك، وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم يقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف: "يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة، ولا صياماً، ولا حجاً، ولا عمرة، إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون: لا إله إلا الله. فقيل لحذيفة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار". أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (78) .

وعندما نقرر أن للعذر بالجهل اعتباراً في مسألة التكفير، فلا يعني أن الجهل عذر مقبول لكل من ادعاه؛ لذا يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: "إن من العلم ما لا يسع بالغاً غير مغلوب على عقله جهله، مثل الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم شهر رمضان، وحج البيت إذا استطاعوا، وزكاة في أموالهم، وأنه حرَّم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر، وما كان في معناه".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015