قال ابن تيمية –رحمه الله-: "من الناس من يكون جاهلاً ببعض هذه الأحكام جهلاً يعذر به، فلا يحكم بكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة من جهة إبلاغ الرسالة، كما قال تعالى: "لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ" [النساء:165] . ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، أولم يعلم أن الخمر حرام، لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا، وتحريم هذا، بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية".

ويقول -رحمه الله- في مقام آخر: "إن تكفير المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئاً من الدين يكفر".

ولعل من أظهر الأدلة في اعتبار الجهل عذراً ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال رجل لم يعمل خيراً قط لأهله -وفي رواية: أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه- إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فو الله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فلما مات فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: لم فعلت هذا؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر له" صحيح البخاري (7506) ، وصحيح مسلم (2756) .

قال ابن تيمية -رضي الله عنه- تعليقاً على هذا الحديث: "فإن هذا الرجل جهل قدرة الله على إعادته، ورجا أن لا يعيده بجهل ما أخبر به من الإعادة، ومع هذا لما كان مؤمناً بالله وأمره ونهيه، ووعده ووعيده، خائفاً من عذابه، وكان جهله بذلك جهلاً لم تقم عليه الحجة التي توجب كفر مثله، غفر الله له".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015