أيضا لا يعني انعدامها فطريا في مكمن النفس البشرية أنه لا أمل في زرعها في هذه النفس فيما بعد من خلال التربية السلوكية والتنشئة الأسرية.. لا بل هذا ممكن جدا ولكنه يتطلب كما ذكرنا جوا ومحيطا يدرك تماما مدى أهمية وإمكانية زرعها وإيجاد بذرتها لدى الطفل ومن ثم رعايتها حتى ينشأ وتصبح ناضجة ونامية مع نموه.

أمر آخر يتعلق بموضوع الثقة بالنفس ويجهله كثير من الناس حينما يتناولون مثل هذا الموضوع. هذا الأمر هو أن الثقة بالنفس هي منزلة رقيقة تقع بين منازل مختلفة في النفس البشرية والإفراط في الثقة بالنفس يمكن أن ينقلها من منزلتها إلى منزلة الغرور والكبر فتنتقل هذه الخاصية من أمر محمود إلى أمر مكروه ومذموم وللأسف فإن الكثير من الناس وبالتحديد أولئك الذين توجد لديهم ثقة مفرطة بأنفسهم يفشلون في ضبط هذا الفارق الرقيق والدقيق في نفس الوقت بين هذه المنازل فتجده يتكبر ويغتر وهو يظن أنما ذلك هو عين الثقة بالنفس.

وفي الناحية المقابلة وفي سبيل الإفراط في الهروب من هذا المنزلق نجد كثيرا من الناس وبدافع الرغبة في عدم الولوج إلى منزلة الكبر والغرور يبالغ في التواضع إلى حد منزلة الذل أو حتى ممارسة التواضع الكاذب وهو في الحقيقة عملية هروب وقلة في الثقة بالنفس تجعله يتكئ على خاصية التواضع وهي منه بريئة بل ضعف في الشخصية وانعدام في الثقة بالنفس أدى به ذلك إلى ممارسة هذا النوع من السلوكيات لأن التواضع الكاذب لم يكن أبدا حلا لضعف الثقة بالنفس.. لا بل الحل هو المكاشفة الصريحة مع النفس ومعرفة مكامن الخلل ومن ثم السعي الحثيث إلى التعامل معها لانتشالها مما هي قابعة فيه.

ولعله من المفيد أن نشير هنا إلى تساؤل قد يطرحه بعض الناس وهو هل الثقة بالنفس شيء كلي أم هو متجزئ؟ بمعنى هل الإنسان الواثق من نفسه هو كذلك في جميع أموره وشئون حياته أو هو كذلك في بعضها وليس في كلها؟ وكذلك عديم الثقة بنفسه هل تلازمه هذه الخصلة في جميع شئون حياته أم هي فقط عند ممارسته نوعا من التصرفات والسلوكيات؟ وللإجابة على هذا التساؤل يجب أن نعود إلى الأصناف الأربعة من الناس السالفة الذكر وعلى ذلك فإن الواثق من نفسه هو غالبا على هذه الحال في جميع شؤونه إلا أن هذه الخصلة تختلف في قوتها وكمال هيئتها بحسب الظروف والمواقف التي يواجهها الإنسان، فقد يجد الإنسان الواثق من نفسه تزعزعا واهتزازا في شخصيته لم يعهده منها ولكنه وبسبب موقف وتجربة كان قد مر بها أثناء الفترات الأولى من التنشئة جعل خللا لديه في أعماق نفسه ينفجر حالما يمر بموقف مشابه لذلك الموقف فتخور قواه وتهتز ثقته بنفسه نتيجة لذلك فيكون السبب هنا في الحقيقة ليس الضعف في الشخصية بقدر ما هو أثر ذلك الأمر البالغ الذي تركته تلك التجربة الطفولية السابقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015