قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "هل بها من لبن؟ ". ردت أم معبد: بأبي أنت وأمي، إن رأيتَ بها حلباً فاحلبها!. فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- الشاة، ومسح بيده ضرعها، وسمَّى الله جلَّ ثناؤه ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رِجليها، ودَرَّت. فدعا بإناء كبير، فحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رَوُوا (أي شبعوا) ، ثم شرب آخرهم، ثم حلبَ في الإناء مرة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها ... وبعد قليل أتى زوج المرأة (أبو معبد) يسوق أعنُزاً يتمايلن من الضعف، فرأى اللبن!!. قال لزوجته: من أين لكِ هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب (حائل) ولا حلوب في البيت؟!!. أجابته: لا والله، إلا أنه مَرَّ بنا رجل مُبارَك من حالِه كذا وكذا. فقال لها أبو معبد: صِفيه لي يا أم معبد!!. فأخذت أم معبد تَصِفُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلَجَ الوجهِ (أي مُشرِقَ الوجه) حسن الخلق، لم تَعِبه نُحلَة (أي نُحول الجسم) ولم تزريه صعلة (وهي صفر الرأس) (أنه ليس بِناحِلٍ ولا سمين) ، وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء) ، في عينيه دَعَج (أي سواد) ، وفي أشفاره وَطَف (طويل شعر العين) ، وفي صوته صَهَلٌ (حدة وصلابة) ، وفي عنقه سَطع (طول) ، وفي لحيته كثاثة (كثرة شعر) ، أزَجُّ أقرَن (حاجباه طويلان ومقوَّسان ومُتَّصِلان) ، إن صَمَتَ فعليه الوقار، وإن تَكلم سماه وعلاهُ البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلوُ المنطق، فصل لا نزْر ولا هذَر (كلامه بَيِّن وسط ليس بالقليل ولا بالكثير) ، كأنَّ منطقه خرزات نظم يتحَدَّرن، رَبعة (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) ، لا تشنأه من طول، ولا تقتَحِمُه عين من قِصر، غُصن بين غصنين، فهو أنضَرُ الثلاثة منظراً، وأحسنهم قَدراً، له رُفَقاء يَحُفون به، إن قال سمعوا لقوله، وإن أمَرَ تبادروا إلى أمره، محشود محفود (أي عنده جماعة من أصحابه يطيعونه) ، لا عابس ولا مُفَنَّد (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخُرافة) .
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذُكِرَ لنا من أمره ما ذُكِر بمكة، ولقد همَمتُ أن أصحبه، ولأفعَلَنَّ إن وَجدتُ إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعه الناس، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
جزى الله رب الناس خيرَ جزائه*** رفيقين حلاّ خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى واهتدت به*** فقد فاز من أمسى رفيق محمد
حديث حسن قوي أخرجه الحاكم (4333) وصححه، ووافقه الذهبي، وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ليلة إضحيان، وعليه حُلَّة حمراء، فجعلتُ أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسنُ من القمر". (إضحِيان هي الليلة المقمرة من أولها إلى آخرها) والحديث رواه الترمذي (2811) وغيره.
- وما أحسن ما قيل في وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
وأبيض يُستَسقى الغمام بوجهه ثِمال اليتامى عِصمة للأرامل