إني أدعوك إلى الرجوع القهقري شيئاً حتى تضع حداً لهذا التيه الذي أوصلتك إليه هذه المعرفة العقيم. ارجع إلى القرآن الكريم، اقرأه بهدوء وتأمل، واقرأ في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما أشكل عليك فراجع كتب التفسير والشروح.. استفد من مخزون المعرفة المشوش لديك في تطوير أسلوب الفهم. واعترف بشجاعة أنك بقدر ما كسبت المعرفة خسرت نفسك، فكأنك خسرت الاثنين معاً لأن هذه المعرفة صارت شيئاً تدفع ثمنه، بدلاً من الاستمتاع بها.
أعد النظر في أصحابك وندمائك، وأغلب الظن أنك إما منقطع عن الأصدقاء، أو متخير لأصدقاء على شاكلتك في التفكير، وهؤلاء يصعب عليك التصحيح معهم، فتخير جلساء يجمعون بين الاستقامة شاكلتك وهدوء النفس وسلامة التدين.
وما تعانيه من شكوك هو ثمرة طبيعية لإقحام العقل في غير مجاله، واستحسان طرائق الفلاسفة والمتكلمين الشكاك الذين تجاوزوا بالعقل قدره بحجة المعرفة، حتى بلغ ببعضهم أن أصبح الشك والإلحاد، والحلول، والفوضى الفكرية ... أصبح كل ذلك ثقافة!! فأنت قد سمحت لنفسك - تحت ظروف معينة - أن تكون مقلداً لهم دون أدنى خصوصية لنفسك.
وأقرب مخرج للنجاة أن تتذكر ما قيل في ذم التقليد، ولعلك قد لجأت إليهم فراراً من تقليد شيخك ومربيك، ففرت من النقيض إلى النقيض.
وأخيراً أقول لك: توقف فوراً، وتذكر قيمة الحياة والمعرفة ونهاية الأشياء وبداياتها، وحكمة الخالق وقدرته وآثار أسمائه وصفاته. ولا تسمح لنفسك بتفوق غير طبيعي، واعلم أنك سائر إلى الله وافد عليه، فأحسن وفادتك.
وإنما المرء حديث بعده، فكن حديثاً حسناً لمن روى، وطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه.
ولا تجعل المعرفة التي هي وسيلة هادمة للغاية التي هي الإيمان والسعادة في الدارين، فتكون كمن بنى قصراً وهدم مصراً.
وفقك الله ونوّر بصيرتك.