أما ما أنت فيه من حزنك على ابنك، وما يعتريك من ألوان الأسى والحزن كلما هبت عليك رياح ذكراه فهذا من الرحمة التي أودعها الله قلوب عباده، فلقد بكى النبي -صلى الله عليه وسلم- عند وفاة ابنه إبراهيم انظر ما رواه البخاري (1303) ، ومسلم (2315) من حديث أنس - رضي الله عنه - وعند وفاة بعض بناته، بل عندما رأى ابن ابنة له يجود بنفسه دمعت عيناه - صلى الله عليه وسلم-، ولما عوتب في ذلك قال - صلى الله عليه وسلم- "هذه رحمة جعلها الله - تعالى - في قلوب عباده"، وفي رواية "هذه رحمة جعلها الله - تعالى - في قلوب من شاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" متفق عليه عند البخاري (1284) ، ومسلم (923) من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه.

ولقد بكت فاطمة - رضي الله عنها- وأرضاها لما رأت ما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم- من سكرات الموت وشدته.

فعن أنس -رضي الله عنه- قال: لما ثقل النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة - رضي الله عنها-: واكرب أبتاه فقال: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة -رضي الله عنها-: "يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التراب" أخرجه البخاري (4462) .

واعلم كذلك أن في صبرك على وفاة ابنك خير عظيم، عن صهيب بن سنان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" أخرجه مسلم (2999) .

أما كونك تتمنى الموت من أجل أن ترى ابنك، فهذا لا يجوز لك بحال من الأحوال، فقد ورد النهي عن ذلك.

عن أنس - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضرِّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" متفق عليه عند البخاري (5671) ، ومسلم (2680) .

واعلم أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيراً يصب منه" أخرجه البخاري (5645) .

فعليك أخي الحبيب أن تتحلى بالصبر والتسليم لقضاء الله وقدره، فإن في ذلك الخير العظيم والجزاء الكبير لك في الدنيا والآخرة، قال - صلى الله عليه وسلم-: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" أخرجه الترمذي (2396) عن أنس - رضي الله عنه - وقال: حديث حسن.

ولكن إذا اشتد عليك الوجد، وأقبل عليك الحزن، وضاقت عليك الأرض بما رحبت، فعليك بالآتي:

(1) الجأ إلى الرب - جل وعلا- واسأله أن يرزقك الصبر على ما ابتلاك به، وأن يثبت قلبك ويخلفك خيراً مما فقدت.

(2) إذا اشتد حزنك لفقد ابنك، فتذكر مصابك بالحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم- وصدق من قال:

وهل عدلت يوماً رزية هالك *** رزية يوم مات فيه محمد

وما فقد الماضون مثل محمد *** ولا مثله حتى القيامة يفقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015