F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمرأة أن تقصر شعرها، وما حكم لبس الشعر المستعار "الباروكة "؟
صلى الله عليه وسلمn من المعلوم أن الجمال محبب للنفس إذا وصف به أى كائن فى الوجود، وله حاسة جعلها المفكرون مستقلة عن الحواس الخمس، وجالت فى فنونه أقلام الكتاب وآراء الباحثين، ولا عجب فى ذلك، فالله جميل يحب الجمال، كما فى الحديث الذى رواه مسلم.
وجمال المرأة بالذات له خطره وأهميته فى حيلة الأفراد والأمم، فكم ربط بين جماعتين على أثر إعجاب تَمَّ بزواج، وكم فرق بينهما إثر تنافس انتهى بقتال، وكم جدت فى الأسر مشاكل غيرة منه وتحزُّبا ضده، وكم أطلق ألسنة العشاق بروائع المنظوم والمنثور، وكم خلدت آثار فى الفن والأدب كان هو ملهمها الأول، وواضع قصتها ومخرج مشاهدها على مسرح الوجود.
وتجمل الزوجة لزوجها من أهم الوسائل لكمال متعته بها وحبه لها، والحديث الذى رواه ابن ماجه يقول "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن اقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته فى نفسها وماله ".
ومظاهر التجمل كثيرة، منها جمال الشعر الذى لا ينكر أثره فى إعجاب الرجل بالمرأة، وفى تفنن الشعراء والأدباء فى التغنى والغزل به، فما حرك أساطيل اليونان قديما فى حرب "طروادة" إلا الشعر المعقوص المضفر بشرائط الذهب لهيلانة الجميلة، وما سحر البلاط الفرنسى ورجال الأدب والسياسة والدين إلا شعر مدام بومبادور، وما نسى فحل الشعراء فى الجاهلية أن يضمن معلقته غزلا فى شعر كهداب الدمقس المفتل، وما كان لأمير الشعراء فى العصر الحديث ليلان إلا عند جارة الوادى، فرعها والدجى.
والإسلام عنى بجمال الشعر: ترجيلا أى تمشيطا، وتصفيفا أى تنظيما فى ضفائر وغدائر ونحوها، وتهذيبا بالتقصير والتطويل والتلميع، وتطييبا بالدهن المعطر والروائح الطيبة، فهو القائل فى الحديث الصحيح الذى رواه أبو داود "إذا كان لأحدكم شعر فليكرمه " وهو عام فى الرجال والنساء.
أما قص الشعر للسيدة فليس هناك ما يمنعه شرعا، فقد كان أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يأخذن من شعر رءوسهن حتى تكون كالوفرة، كما رواه مسلم. والوفرة ما قصر عن اللمة أو طال عنها، واللمة ما يلم من الشعر بالمنكبين كما قاله الأصمعى. [هناك خلاف فى تحديد معنى الوفرة واللمة والجمة موجود فى "نيل الأوطار"ج 1 ص 137 وثلاثيات أحمد ج 2 ص 207] وقد قصر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم من شعورهن بعد وفاته، لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفا لمئونة رءوسهن كما قاله القاضى عياض وغيره، ولم يكن ذلك فى حياته.
هذا، وقد روى النسائى عن على رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها. والحلق هو إزالته بالمرة، وذلك لا يليق بالمرأة فهو من خصائص زينتها، أو المراد النهى عن حلقه عند المصائب كالحزن على وفاة زوج أو ولد.
لكن محل جواز تقصير شعرها إذا كان بإذن الزوج، فهو صاحب حق فيه لمتعته، وألا يكون التقصير بيد رجل أجنبى أو اطلاعه عليه، وإلا تقصد به التشبه بالرجال، فالأعمال بالنيات.
والشعر المستعار "الباروكة " ورد فيه أن امرأة قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: إن لى ابنة عُرَيِّسًا-تصغير عروس -أصابتها حصبة فتمزق شعرها، أفأصله؟ فقال "لعن الله الواصلة والمستوصلة" رواه البخارى ومسلم. وبعد كلام العلماء فى شرح هذا الحديث وما يماثله نرى أن التحريم مبنى على الغش والتدليس، وهو ما يفهم من السبب الذى لعنت به الواصلة والمستوصلة، ومبنى أيضا على الفتنة والإغراء لجذب انتباه الرجال الأجانب. وهو ما أشارت إليه بعض الأحاديث بأنه كان سببا فى هلاك بنى إسرائيل حين اتخذه نساوهم. وكن يغشين بزينتهن المجتمعات العامة والمعابد كما رواه الطبرانى.
هذا، وجاء فى كتب الفقهاء: أن لبس الشعر المستعار حرام مطلقا عند مالك، وحرام عند الشافعية إن كان من شعر الآدمى، أو شعر حيوان نجس، أما الطاهر كشعر الغنم وكالخيوط الصناعية فهو جائز إذا كان بإذن الزوج، وأجاز بعضهم لبس الشعر الطبيعى بشرطين: عدم التدليس وعدم الإغراء، وذلك إذا كان بعلم الزوج وإذنه، وعدم استعماله لغيره هو.
ومن هذا يعلم أن تصفيف شعر المرأة عند "الكوافير "الرجل الأجنبى حرام، وأن لبسها "الباروكة" عند الخروج، أو عند مقابلة الزائرين الأجانب حرام