F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى تجارة العملة، وتبادل الأوراق المالية فى البورصة؟
صلى الله عليه وسلمn يقول الله سبحانه {وأحل الله البيع وحرم الربا} البقرة: 275، ويقول {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} النساء: 29.
التجارة ركن من أهم أركان النشاط الاقتصادى بعد الإنتاج والتصنيع، وكانت فى الأصل تقوم على مبادلة السلع بعضها ببعض، ثم تطورت الأمور فاتخذت مقاييس لتقدير السلع، واتفق كل جماعة على مقياس منها. وكانت قمة الترقى فى اتخاذ النقدين - الذهب والفضة - مقياسا تقوم به السلع، وتقابل به الأنشطة المختلفة فى التجارة وغيرها.
والبيع والشراء هما ركنا التجارة التى ندب الإسلام إليها، وجعل فيها تسعة أعشار الرزق. ووضع لها حدودا وآدابا تضمن لها الاستقامة وتحول دون الانحراف.
ومن مظاهر الاستغلال والانحراف " الربا " الذى هو زيادة أحد العوضين المتماثلين عن الآخر بغير مقابل أصلا، أو بمقابل معنوى هو الأجل عند رد العوض.
ومن أنواع التجارة مبادلة النقود بعضها ببعض، وتسمى بالصرف، ومن يعملون فى هذا المجال يطلق عليهم اسم لا " الصيارفة " ومكان مزاولة النشاط يطلق عليه اسم البنك أو المصرف.
وصرف النقود بعضها ببعض يطبق عليه ما جاء فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى بكر قال: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع الفضة بالفضة. والذهب بالذهب، إلا سواء بسواء، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا، والفضة بالذهب كيف شئنا، يعنى بدون التساوى أى بالتفاضل. وكذلك حديث البخارى ومسلم عن أبى المنهال قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف، فكل واحد يقول: هذا خير منى. فكلاهما يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق -بكسر الراء أى الفضة-دَيْنًا. يعنى لأجل، وكذلك حديثهما عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز "يعنى لا تبيعوا المؤجل بالحاضر، ومعنى " لا تشفوا " لا تفاضلوا بالزيادة أو النقصان.
يؤخذ من هذه الأحاديث أن شرط صحة الصرف فى العملة المتماثلة - الذهب بالذهب، والفضة بالفضة - التساوى والحلول أى عدم التأجيل. أما عند اختلاف العملة - الذهب بالفضة - فلا يشترط التماثل والتساوى، وإنما يشترط الحلول وعدم التأجيل. .
ويوضح ذلك حديث مسلم عن عبادة بن الصامت مرفوعا " الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد".
قال الشافعى: العلة فى الذهب والفضة أنهما من جنس الأثمان، فكل ما كان من جنس الأثمان يشترط فيه التماثل والحلول إذا كان النوع واحدا، فإذا اختلف النوعان جاز التفاضل بشرط الحلول.
وقد استبدل الناس الآن بالذهب والفضة أوراقا مالية بعضها يعتبر سندا على البنك، وبعضها يعتبر قيمة مستقلة، كالدولار والجنيه والفرنك، فيجرى عليها حكم الذهب والفضة لاختلاف قيمتها، فيجوز صرف الدولار بالجنيه مع عدم التساوى بشرط الحلول وعدم التأجيل. فصرف الأوراق المالية بعضها ببعض هو ما يطلق عليه الآن اسم التجارة فى العملة، والبنوك تقوم بذلك، والأفراد أيضا يقومون به.
وإذا كان هناك سعر رسمى صدر به قرار من ولى الأمر كان كالتسعير لكل سلعة، والتسعير فيه وجهات نظر مختلفة، لكن إذا كان عادلا وروعيت فيه المصلحة العامة ينبغى الالتزام به، كما ينبغى التزام التسعير فى السلع الأخرى.
هذا، وقد ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم " قال: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " قال ابن عباس: وأحسب كل شىء بمنزلة الطعام (صحيح مسلم بشرح النووى ج 10 ص 168 ".
وبيع الشىء قبل قبضه يسمى بيع الصِّكاك. يقول النووى فى شرح صحيح مسلم: الصكاك جمع صك، وهو الورقة المكتتبة بدين - ويجمع أيضا على صكوك -والمراد هنا الورقة التى تخرج من ولى الأمر بالرزق لمستحقه، بأن يكتب فيها للإنسان كذا وكذا من طعام أو غيره، فيبيع صاحبها ذلك لإنسان قبل أن يقبضه، وقد اختلف العلماء فى ذلك، والأصح عند أصحابنا وغيرهم جواز بيعها، والثانى منعها. ثم أورد حجة الفريقين.
والأوراق المالية صكوك تتداول فى الأسواق " البورصات " وهى ذات قيمة حلت محل النقدين الذهب والفضة، فان كان فيها تقابض جاز التعامل. وإن لم يكن هناك تقابض كان فيها الرأيان المذكوران