F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى إعلام الناس عن موت أحد الأشخاص باستخدام مكبرات الصوت بالمساجد؟
صلى الله عليه وسلمn يقول اللَّه سبحانه {فى بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللَّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} النور: 360، 37، وروى مسلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال " من سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فليقل لا ردها اللَّه عليك، فان المساجد لم تبن لهذا" وروىَ النسائى والترمذى بطريق حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يتباع - أى يشترى - فى المسجد فقولوا له: لا أربح اللَّه تجارتك ".
يؤخذ من هذه النصوص أن المساجد بيوت اللَّه جعلت للعبادة وعمل الخير، وينبغى أن يتوافر فيها الهدوء حتى لا يكون إيذاء أو مضايقة للمتعبدين فيها، كما ينبغى أن تصان حرمتها ولا يزاول فيها ما يخل بكرامتها، كالتخاصم والنداء على الأشياء المفقودة وغيرها.
فإذا لم يكن شيء من ذلك جاز رفع الصوت فى المسجد، وجاء فى شرح النووى لصحيح مسلم "ج 5 ص 55 " أن أبا حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك أجازا رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة - أى التقاضى- وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس لأنه مجتمعهم ولا بد لهم منه.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الوفود فى المسجد، ويتلقى فيه تبرعات المحسنين، ويوزع فيه الأموال المستحقة، بل سمح بنصب خيمة فى غزوة الأحزاب لاستقبال الجرحى وتمريض المجاهدين،كما سمع إنشاد الشعر فيه من حسان بن ثابت، فالحكم مبنى على عدم التشويش على المصلين والمتعبدين وعدم الإخلال بحرمة المسجد، ولا شك أن ما سمح به الرسول كان مراعى فيه هذه الحكمة، أما ما منعه كالتجارة ونشدان الضالة فكان مراعى فيه أنه يتنافى مع هذه الحكمة، ومعروف أن البيع والشراء فيه مساومة وكلام يشوش على من فى المسجد، وكذلك نشدان الضالة فيه مساومة على الجعل الذى يدفع عند إحضار الضالة، وفيه استفسار عن مواصفاتها.
والاستدلال على المنع بقوله تعالى {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} ، الجن: 18، لا محل له هنا، لأن الآية ورادة فيمن يشركون مع اللَّه غيره فى العبادة، كما كان المشركون يفعلون ذلك فى المسجد الحرام عندما كان مملوءا بالأصنام.
والسيوطى فى كتابه "الحاوى للفتاوى" وضح ذلك بما لا يحتاج إلى مزيد، وقال: نص النووى فى شرح المهذب على أنه يكره رفع الصوت بالخصومة فى المسجد ولم يحكم عليه بالتحريم وكذا رفع الصوت بالقراءة والذكر إذا أذى المصلين والقيام نصوا على كراهته لا تحريمه، والحكم بالتحريم يحتاج إلى دليل واضح صحيح الإسناد غير معارض، ثم إلى نص من أحد أئمة المذاهب، وكل من الأمرين لا سبيل إليه. انتهى.
ومن هنا يمكن أن نقول: إن الإعلان عن الوفاة ليس مصلحة شخصية بقدر ما هو مصلحة عامة، فإذا كان مكبر الصوت - الميكروفون - لا يشوش على المصلين والمتعبدين فلا وجه لمنع الإعلان فيه عن الوفاة، أما إذا كان فيه تشويش فيكون ممنوعا ودرجة المنع هى الكراهة لا الحرمة