F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال " الإناء يستغفر للاعقه " وكيف يصح هذا مع أنه من مستهجنات العصر؟
صلى الله عليه وسلمn يتصل بهذا السؤال سؤال آخر وهو لعق الأصابع، وسيكون الجواب فى نقطتين.
النقطة الأولى لعق الأصابع: روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأكل كما يأكل أصحابه بأصابعهم، وكان يلعق أصابعه بعد الأكل.
وأوصى أصحابه بذلك قبل أن يمسحوها بمنديل ونحوه، كما رواه مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال "إنكم لا تدرون فى أى طعامكم البركة" وجاء فى رواية لمسلم أيضا عن أنس:
وأمرنا أن نسلت القصعة والسَّلْت -كما فسره النووى- هو المسح وتتبع ما بقى فى القصعة من الطعام "ج 13 ص 207".
فى هذا الإرشاد نظافة وعدم ضياع شيء من الطعام، فهو هدى صحى واقتصادى.
(ا) فلعق الأصابع تنظيف لها قبل أن تمسح بالمنديل ونحوه، وهو يكون بعد الانتهاء من الأكل، وأما فى أثناء تناول الطعام فيكره لعق الأصابع، لأن الريق سيخالط ما فى الإناء، والنفوس تعاف ذلك، وقد يكون وسيلة لنقل بعض الأمراض، "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 2 34 وغذاء الألباب للسفارينى ج اص 9 0 2 ".
(ب) أما لعق الصحفة أى الإناء الذى فيه الطعام كالثريد الذى كانوا يأكلونه بأصابعهم، فيصور بصورتين، الأولى أن يكون باللسان، والثانية أن يكون بطريقة السلت أى مسح ما بقى من الطعام فى الإناء ثم لعقه بالإصبع.
وإذا كان الآكل شخصا واحدا من إناء خاص وليس طعاما لجماعة، فيمكن أن يلعق الإناء بلسانه، ويمكن أن يمسحه بالإصبع ثم يلعق أصبعه، أى أن اللعق يمكن أن يكون بإحدى الصورتين، ولا عيب فى ذلك ولا ضرر.
أما إذا كان الإناء فيه طعام لجماعة يأكلون منه فإن اللعق باللسان لا يتصور منهم جميعا، بل يكون من شخص واحد بعد انتهائهم جميعا من الأكل، وأما السلت بالأصابع فيتصور أن يكون من أكثر من شخص، حيث يتتبع كل آكل بأصبعه ما توارى أو بقى فى جوانب الصحفة أو الإناء، فيأخذه ويأكله، وهذا أمر تعودوا عليه ولا يرون فيه بأسا، وإن كانت تعافه بعض النفوس الأخرى.
والمهم هو تنفيذ المطلوب بالوسيلة التى يتواضع عليها الناس، فلا يبقى فى الإناء طعام يلقى ويضيع، أو يترك ليتعفن ويفسد إن لم يغسل بل نلتقطه بالملعقة أو الشوكة أو السكين ونحو ذلك، بل يندب أن يلتقط ما وقع من الطعام وينظف ويؤكل ولا يترك للشيطان كما جاء فى صحيح مسلم.
هذا، وقد جاء فى "الأوائل " للسيوطى أن أول من اتخذ الملعقة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام "غذاء الألباب ج 2 ص 83".
النقطة الثانية استغفار الإناء: المراد من ذلك هو الحث على النظافة والترغيب فى عدم شيء يسبب القذارة، أو يضيع دون فائدة، وقد جاء فى ذلك حديث رواه الترمذى وابن ماجه وأحمد والبغوى وغيرهم، وقال عنه الترمذى: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط فى سلسلة الرواة-والغريب قد يكون صحيحا وقد يكون حسنا-هذا الراوى الواحد قالوا: إنه هو المعلَّى بن راشد الذى رواه عن أم عاصم نبيشة، ورواه عنه كثيرون كما ذكر فى "تحفة الأحوذى شرح الترمذى" انظر: أسد الغابة فى معرفة الصحابة رقم 5091 والزرقانى على المواهب ج 4 ص 342 - والحديث بلفظ "من أكل طعاما فى آنية ثم لحسها استغفرت له القصعة" قال الزرقانى: حقيقة وشكرًا لفعله.
يعنى الاستغفار حقيقى، وحكمته شكر اللاعق على تنظيفه وبُعد الشيطان عن لعقه.
ولا مانع شرعا ولا عقلا أن يخلق الله فى الجماد تمييزا ونطقا، ويؤيده رواية الديلمى "استغفرت له القصعة فتقول: اللهم أجره من النار كما أجارنى من لعق الشيطان ".
وقيل: إن الاستغفار كناية عن حصول المغفرة له ابتداء، لأنه لما كان حصول المغفرة بواسطة لحسها غفر له، ولما كانت المغفرة بسبب لحسها كأنها تطلب له الغفران. هكذا فسروه.
هذا ما ورد، ولا يجوز أن يعلق عليه بالاستنكار، وبخاصة بعد توضيح المعنى، والعرف إذ ذاك كان يقبله، والنتيجة هى الحث على النظافة والاقتصاد.
وبهذه المناسبة سئل بعض العلماء عن هذا الحديث وعن حديث "إذا أكلتم فأفضلوا" فقال ما نصه: هذان حديثان لا أصل لهما "مجلة الإسلام - المجلد الرابع - العدد 36" وقد علمت أن حديث لعق الإناء والاستغفار للاعقه ورد بطريق صحيح، أما حديث "إذا أكلتم فأفضلوا "فلم أعثر له على تخريج مقبول حتى الآن