الإثم ما حاك فى الصدر

F عطية صقر.

مايو 1997

Mالقرآن والسنة

Q ما معنى الحديث الشريف " الإثم ما حاك فى الصدر وتخشى أن يطلع عليه الناس "؟

صلى الله عليه وسلمn روى أحمد عن وابصة بن معبد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال له "يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى القلب وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " ورواه مسلم بلفظ "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك فى صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس " وروى البغوى مصابيح السنة "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ". تدل هذه الأحاديث على أن هناك قوة باطنة تستطيع أن تميز بين الخير والشر، بالاطمئنان إلى الأول وعدم الارتياح إلى الثاني، وجاء التعبير عن هذه القوة مرة بالنفس وأخرى بالقلب، وثالثة بالصدر، وقد تحدث عنها الإمام الغزالى فى شرح عجائب القلب، وفى المراقبة والمحاسبة، ويعبر عن هذه القوة حديثا باسم الضمير.

إن هذه الأحاديث تبين قيمة الضمير الذى تربى تربية دينية. فهو يحس بالخير والشر على ضوء هذه التربية. وذلك ما كان عليه الصحابة والسلف الصالح، الذين لم تلوث ضمائرهم فلسفات ولا نزعات أخرى. والضمير الدينى الحى لا يستسيغ الشر، ويكره أن يطلع الناس عليه لو فعله، فهو يستحى منه، والحياء شعبة من شعب الإيمان.

وهذا مقياس لمن تربى ضميره على الخير. أما من تربى ضميره على الشر والمبادئ البعيدة عن الدين فمقياس الخير والشر عنده غير سليم، وأصحاب الضمائر الحية هم أصحاب النفوس الراضية المرضية المطمئنة التى وصلت إلى هذه الدرجة عندما كانت تحس بالسوء وتفعله، فيكون اللوم والعتاب، ويكون الحياء من العود إليه، قال تعالى {ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها} الشمس: 7- 10،.

وقد تصل قوة هذا الضمير عند ذوى المروءات والهمم العالية والإحساس المرهف والمراكز الكبيرة إلى درجة أن بعض المباحات التى تستساغ من غيرهم يرونها محرمة عليهم غير لائقة بهم، ويكرهون أن يطلع الناس عليهم وهم يزاولونها. لأنها ستكون موضع نقد لاذع بالنسبة لمقاماتهم، وذلك على حد قولهم: حسنات الأبرار سيئات المقربين.

وأحذر ثم أحذر من أن يتخذ كل إنسان هذا الإحساس مقياسا لكل ما يصدر منه، فذلك خاص بمن تربوا تربية دينية سليمة، ولم يجدوا نصا فى أمر، فيرجعون إلى ضمائرهم الطيبة لاستفتائها فى هذا الأمر، أما أن يتخذه آخرون ممن يجهلون أحكام الدين ولا يبالون بها مقياسا لما يصدر منهم، فذلك اتباع للهوى، وقد يفضلون هذا الإحساس على المنصوص عليه، وفى ذلك يقول الله سبحانه {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله} الجاثية: 23،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015