F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يرث ابن النبى أباه فى النبوة، أو أنها هبة من الله سبحانه لمن يصطفيه؟
صلى الله عليه وسلمn يقول الله تعالى عن دعاء زكريا ربه {فهب لى من لدنك وليا. يرثنى ويرث من آل يعقوب} مريم: 5، 6 ويقول: {وورث سليمان داود} النمل: 16 ويقول صلى الله عليه وسلم "إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " رواه البخارى ومسلم "الجامع الكبير للسيوطى ص 1047" ويقول " إن العلماء ورثة الأنبياء " رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان وغيرهم.
تحدث القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 81" عن التوارث بين الأنبياء، وذكر أن هناك ثلاثة آراء للعلماء فى النصوص التى تثبت الوراثة، هل هى وراثة نبوة، أو وراثة حكمة، أو وراثة مال؟ وبيَّن أن وراثة النبوة مستحيلة، ولو كانت تورث لقال قائل: الناس ينتسبون إلى نوح عليه السلام وهو نبى مرسل -يعنى يمكن لأى إنسان أن يقول أنا نبى، أو معى قسط من النبوة حتى الكفار- ووراثة العلم والحكمة رأى حسن ولا مانع منه، ومثلها وراثة العلماء لعلم الأنبياء، ووراثة سليمان لداود هى من هذا القبيل، أما وراثة المال فهى غير ممنوعة، لكن كيف ذلك والحديث يمنع؟ وأجاب عن ذلك بأن وراثة زكريا ووراثة داود، لا مانع منها، وما جاء فى الحديث فهو خاص بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم، وعبَّر بصيغة الجمع ويقصد نفسه هو، فهذا التعبير سائغ، ويمكن أن يراد به أن ما تركناه على سبيل الصدقة لا يورث كالتركة.
يؤخذ من هذا أن وراثة النبوة ممنوعة، فهى هبة من الله يعطيها من يصطفيه من عباده، يقول ابن عطية: داود من بنى إسرائيل وكان ملكا، وورث سليمان ملكه ومنزلته من النبوة بمعنى صار إليه ذلك بعد موت أبيه، فسمى ميراثا تجوزا، يعنى أن الله هو الذى أعطاه ذلك باصطفائه له، وليس إرثا حتميا من أبيه كما تورث الأموال.
ومهما يكن من شىء فإن ذلك أمر لا يعنينا بعد أن ختمت النبوة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد من بعده -وبخاصة ممن ينتسبون إليه، أن يدعيها كميراث، وكان من حكمة الله أنه لم يجعل لنبيه ولدا يعيش من بعده حتى لا يدعى وراثة النبوة وعلينا أن نهتم بميراثه الذى تركه لنا وهو العلم، الذى نبه أحد الصحابة إليه، حيث قال لهم: أنتم هنا وميراث الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم فى المسجد، فلما ذهبوا لم يجدوا إلا حلقة العلم فعرفوا أنها المقصودة بالميراث.
وهو شرف كبير أن يكون العلماء هم ورثة هذا الهدى النبوى الذى أوصى بالتمسك به كما جاء فى الحديث " تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدى أبدا، كتاب الله وسنتى " رواه الحاكم وصححه