الخوارج

F عطية صقر.

مايو 1997

Mالقرآن والسنة

Q نسمع عن فرقة دينية تسمى بالخوارج، فكيف ظهرت وما هى مبادئها، وحكم الدين فيها؟

صلى الله عليه وسلمn الخوارج فرقة دينية ظهرت على أثر الخلاف بين على ومعاوية، حيث انفصلت عن شيعة على رضى الله عنه جماعة خرجوا عليه بعد أن رضى بالتحكيم، حين اختار أبا موسى حَكما، واختار معاوية عمرو ابن العاص حكما، وأطلق عليهم اسم الخوارج أو الحرورية باسم المكان الذى انحازوا إليه، فكانوا أول فرقة منظمة شذت بفكرها القائم على تكفير مرتكب الكبيرة ومن يرفض حكم الله من أجل حكم البشر، رافعين شعار" لا حكم إلا لله " ونبه على رضى الله عنه على زيف هذا الشعار الذى اتخذوه ستارًا لأغراض ليست فى مصلحة الدين فقال "كلمة حق أريد بها باطل " وحدث أن أرسل إليهم عبد الله بن عباس رضى الله عنهما لمناظرتهم فرجع كثير معه، ثم تمردوا وراسلهم، وفى النهاية قاتلهم بعد قتلهم عامله عليهم عبد الله بن خباب بن الأرت، وأوقع بهم فى " النهروان " سنة 38 هـ، ولم ينج منهم إلا قليل، ثم ظهروا بعد ذلك بمعتقداتهم وتوسعوا فيها وكثرت فرقهم، وما زالت منهم بقية إلى الآن فى بلاد المغرب، يقول عنهم ابن حزم: إنهم أعدل هذه الفرق، وهى الإِباضية " نيل الأوطار للشوكانى ج 7 ص 168 ".

امتد شذوذ الخوارج فى فكرهم إلى شذوذهم فى السلوك، فدبروا المؤامرات التى راح ضحيتها على رضى الله عنه حيث طعنه عبد الرحمن بن مُلجم وهو يصلى الصبح، يقول الشيخ محمد أبو زهرة فى كتابه "تاريخ المذاهب الفلسفية" لعل موقفهم المتشدد نحو الحكم والمجتمع يرجع إلى أن أكثرهم كانوا من قبائل ربيعة التى تنافس قبائل مُضر منذ زمن بعيد، فهم ينفسون على قريش المضرية التى تريد أن تحصر الخلافة فيهم، ونادوا بأن تكون حقا لكل من عنده أهلية لها من أية قبيلة، ليسهل عزل الخليفة حيث لا تكون له عصبية تحميه. . . ثم يقول:

كما أن من أسباب سخطهم على المجتمع أن أكثرهم كان يعيش فى البادية بخشونتها وصلابة رأيها، ولما جاء الإِسلام لم يغير من حالهم كثيرا، لأنهم لزموا عيشة البدو ولم يتأثروا بعيشة الحضر، فاعتنقوا المذهب بقوة امتزجت بما ورثوه من سذاجة فكر وضيق صدر، فكان لذلك أثره فى الحكم على المجتمع الذى انصرفوا عنه إلى العبادة التى تؤهلهم إلى الحياة الطيبة فى الآخرة. انتهى ما قاله وإن حدث تغير فى الفكر والسلوك عند بعضهم.

يقول صاحب كتاب المواقف فى علم التوحيد " الإيجى" إن الخوارج سبع فرق لكن اندثر أكثرها، وما يعرف منها الآن فرقة الإِباضية التى تنسب إلى زعيمهم "عبد الله بن إباض ".

وهم فى عقيدتهم على رأى الخوارج الأصليين الذين يكفِّرون مرتكب الكبيرة، لكنهم ينفون عن أنفسهم هذه التهمة ويقولون: إن المراد بالكفر كفر النعمة، ويعترفون بالقرآن والحديث مصدرين للعلم، ويصرون على أن القدوة الحسنة بعد النبى صلى الله عليه وسلم فى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، ويكفِّرون عليا وأكثر الصحابة، ويوجبون على المسلمين إقامة الإمامة عند القدرة والعلم، ويرون أن العزلة أفضل من الاختلاط بالمجتمع، وهم أعدل فرق الخوارج كالزيدية فى الشيعة، وقد ألف أحد الكتاب من ليبيا كتابا فى ثلاثة أجزاء بعنوان " الإِباضية فى موكب التاريخ " حاول أن يقطع صلتهم بالخوارج، ويجعل لهم مذهبا مستقلا أساسه حرية الرأى.

وقال " الإيجى " صاحب كتاب المواقف: إن الإِباضية من الخوارج افترقوا أربع فرق، وعدَّ منها " اليزيدية " أصحاب " يزيد بن أنيسة " الذين قالوا: سيبعث نبى من العجم بكتاب يكتب فى السماء، ويترك شريعة محمد إلى ملة الصابئة، وكل ذنب عندهم شرك.

هذا، وقد سبق فى بعض الإِجابات شرح قول الله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} والنهى عن تكفير من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا بارتكاب ما يوجب الحكم عليه بذلك. والواجب هو محاورتهم لتصحيح أفكارهم، فإن لم يستجيبوا وجب اتخاذ موقف منهم.

وقد وضح الماوردى فى كتابه " الأحكام السلطانية" ص 58ما يتخذ من الإِجراءات نحوهم، ويمكن الرجوع فيها إلى المصدر المذكور أو إلى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " ويمكن تلخيصه فيما يلى:

إذا كان هناك أهل فكر معين ينشقون به عن فكر الجماعة، إن تستروا بفكرهم ولم يدعوا إليه ولم ينحرفوا فى سلوكهم فليس للسلطة يد عليهم، فإن دعوا إلى فكرهم وجب على المسئولين أن يصححوا أفكارهم بالحوار أو بالتوعية أو أية وسيلة أخرى، وفى الوقت نفسه يجوز للسلطة أن تعاقب من يروجون لأفكارهم بما تراه من عقوبة لاتصل إلى القتل أو إلى حد من حدود الجرائم المعروفة.

ولو انفصلت هذه الجماعة وتميزت بدار أو محلة وكانت ملتزمة بالقوانين الجارية دون عدوان ولا فساد فلا شأن للسلطة بهم إلا ما يكون من توعية لتصحيح الفكر، فإن تمردت على القوانين وكونت لنفسها دولة داخل الدولة كان للسلطة أن تحاربهم لينزعوا عن المباينة ويفيئوا إلى الطاعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015