F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس: إن أحسن صيغة لحمد الله هى: الحمد لله حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده، فهل هذا صحيح؟
صلى الله عليه وسلمn الحمد فى اللغة هو الثناء باللسان على الجميل الاختيارى على جهة التعظيم والتبجيل، وهو فى العرف يدل على تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد وغيره، والشكر فى اللغة هو الحمد العرفى، وفى العرف هو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله، فبين الحمد اللغوى والعرفى عموم وخصوص من وجه، فيجتمعان فيما إذا كان باللسان فى مقابل نعمة، وينفرد اللغوى فيما إذا كان باللسان لا فى مقابل نعمة، وينفرد العرفى بصدقه بغير اللسان فى مقابل نعمة، فمورد الحمد العرفى أعم وهو اللسان والأركان أى الجوارح، ومتعلقه أخص وهو كونه فى مقابلة نعمة - والحمد اللغوى عكسه، والحمد اللغوى مع الشكر اللغوى كذلك، إذ الشكر اللغوى هو الحمد العرفى كما علم.
إن حمد الله وشكره باللسان يحصل بأية صيغة، وهو مندوب إليه، وجاءت فى فضله أحاديث منها: ما رواه أصحاب السنن عن رفاعة بن رافع رضى الله عنه قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" من المتكلم فى الصلاة"؟ فلم يجبه أحد، ثم قالها الثانية " من المتكلم فى الصلاة"؟ فقال رفاعة بن رافع: أنا يا رسول الله، قال " كيف قلت "؟ قال: قلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، فقال " والذى نفسى بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعدها" قال الترمذى: حديث حسن. وفى رواية أبى داود أن الرسول قال له " ما تناهت دون عرش الرحمن جل ذكره " وفى مسند أحمد أن الرسول قال له " لقد فتحت لها أبواب السماء فلم ينهها شىء دون العرش".
يقول السفارينى فى غذاء الألباب "ج 1 ص 11 " إن بعض الناس ذكر أن أفضل صيغ الحمد: الحمد لله رب العالمين حمدا يوافى نعمه، ويكافئ مزيده. وأن ابن القيم أنكر على قائله غاية الإِنكار لأنه لم يرد فى الصحاح ولا السنن ولا يعرف فى شىء من كتب الحديث المعتمدة ولا له إسناد معروف، وإنما يروى عن أبى نصر التمار عن سيدنا آدم أبى البشر عليه الصلاة والسلام، قال: ولا يدرى كم بين آدم وأبى نصر إلا الله تعالى. قال أبو نصر: قال آدم: يا رب شغلتنى بكسب يدى، فعلمنى شيئا من مجامع الحمد والتسبيح، فأوحى الله إليه: يا آدم، إذا أصبحت فقل ثلاثا، وإذا أمسيت فقل ثلاثا "الحمد لله رب العالمين حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده " فذلك مجامع الحمد والتسبيح. قال ابن القيم: فهذا لو رواه أبو نصر التمار عن سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم لما قبلت روايته، لانقطاع الحديث فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بروايته له عن آدم.
قال: وبنى على هذا بعض الناس مسألة فقهية فقال: لو حلف إنسان ليحمدن الله تعالى بمجامع الحمد وأجل المحامد فطريقه فى بر يمينه أن يقول: الحمد لله حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده.
وردَّ هذا بما يطول، والحاصل أن العبد لا يحصى ثناء على ربه ولو اجتهد فى الثناء طول عمره.
ثم ذكر أن الإِمام أحمد بن حنبل روى فى الزهد عن الحسن قال: قال داود: إلهى لو أن لكل شعرة منى لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر كله ما قضيت حق نعمة واحدة. وروى فيه أيضا عن المغيرة بن عتبة قال: لما أنزل الله على داود {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور} سبأ: 13 قال: يارب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تنعم علىَّ ترزقنى على النعمة الشكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة، فالنعمة منك يا رب فكيف أطيق شكرك؟ قال: الآن عرفتنى يا داود