F أحمد هريدى.
ربيع الأول 1389 هجرية - 22 مايو 1969م
M 1- قول المدعى أمام القاضى لا بينة لى على الدعوى أو ليس عندى شهود عليها سوى أشخاص عينهم.
ثم أحضر شهودا أو أحضر غير من عينهم لا يسمع القاضى ولا يقبل شهادة واحد منهم إذا سمعها عملا بالمادة 191 من القانون 78 سنة 1931 وهذا هو رأى أبى حنيفة.
ويرى الإمام محمد من الحنفية قبول الشهادة فى الصورتين فى الأصح وهو الأرجح فى المذهب.
2- مذهب المالكية فى ذلك أنه إن عجز المدعى نفسه عن البينة ثم أتى ببينة كنت عنه غائبة غيبة بعيدة، وثبت عذره فى عدم الإتيان بها تقبل بينته، كما يرى المالكية أنه إذا سمع القاضى شهوده ثم أراد إحضار بينة أخرى على الدعوى لا يمنع من ذلك وتقبل منه إلا فى حالة ما إذا استوثق القاضى واستقصى ما عند المدعى بكل الطرق اللهم إلا إذا أثبت عذرا لدى القاضى.
3- إذا قدم المدعى شهودا لم تثبت الدعوى بشهادتهم، فطلب المدعى التأجيل لسماع شهادة امرأة واحدة يجوز للقاضى القضاء برفض الدعوى مادامت شهادتها وحدها لا تكفى فى إثبات الدعوى.
4- الشهادة بحق من حقوق العباد يجب أن تكون مسبوقة بدعوى صحيحة شرعا.
5- يشترط فى صحة الشهادة أن تكون موافقة للدعوى نوعا وكما وكيفا وفعلا وانفعالا ووصفا وملكا ونسبة.
فإن اختل شرط من ذلك لا تقبل ولا يحكم بمقتضاها.
6- الشهادة بأقل مما ادعاه المدعى لايقتضى رفض الدعوى ولكن يستوجب الحكم بما شهد به الشهود فقط، وترفض الدعوى بالنسبة للباقى.
7- الموافقة اللفظية بين الدعوى والشهادة ليست ضرورية بل تكفى الموافقة فى المعنى.
8- لا يلزم فى صحة الشهادة أن يبين الشاهد مصدر علمه بما شهد به.
9- للقاضى سؤال الشاهد عن الأزمنة والأمكنة والألوان والأوصاف والتفاصيل التى تتعلق بوقائع الدعوى وحوادثها، كما أن له أن يسأله عن مصدر علمه بما شهد للتوثيق، ومعرفة أنه شهد عن علم لا عن مجرد سماع من الغير أو ظن بما يشهد.
10- إذا أغفل الشاهد بيان مصدر علمه بما شهد ولم يسأله القاضى عن ذلك فإن هذا وحده لا تأثير له فى صحة شهادته، فإذا رد القاضى شهادته لهذا السبب وحده كان ذلك مخالفا للقانون، لأن الأمر فى هذه الحالة لا يخضع لسلطة القاضى فى تقدير الدليل، وإنما يصبح منطويا على مخالفة للقانون.
11- لا يجوز الأخذ بالصور الفوتوغرافية للأوراق والمستندات الكتابية فى حالة عدم وجود أصلها
Q بالطلب المتضمن أن هناك نزاعا مرددا أمام القضاء بإحدى الدول العربية الشقيقة حول ملكية عقار، وأنه يراد استطلاع الرأى لدى الحنفية والمالكية وما تقتضيه أحكام المجلة العدلية فى المسائل الآتية: أولا - إذا استشهد المدعى بشهود توفرت فيهم شروط الشهادة الشرعية وحضر بعض هؤلاء وأدوا الشهادة أمام القاضى، وطلب المدعى التأجيل لحضور الباقيين وسماع شهادتهم.
فهل يجوز للقاضى أن يحكم فى الدعوى دون انتظار لسماع شهادة الشهود الذين لم يحضروا رغم اصرار المدعى على سماع شهادتهم وفى واقعة النزاع استشهد المدعى بثلاثة رجال وسيدة وسمعت المحكمة شهادة الرجال الثلاثة ولم تحضر السيدة وتمسك المدعى بسماع شهادتها وطلب التأجيل لحضورها.
فهل يجوز للقاضى أن يقضى برفض الدعوى دون انتظار لساع شهادة السيدة بمقولة أن شهادتها لا جدوى منها ثانيا - هل ينبغى لاعتبار الشهادة موافقة للدعوى أن يبين الشاهد مصدر علمه بما شهد به ولو لم يطلب إليه القاضى ذلك، فإذا قال الشاهد الدار المتنازع عليها ملك المدعى أو ملك مورثه، فهل يلزم للأخذ بشهادته بيان مصدر علمه بذلك ولو لم يستوضحه القاضى ويطلب إليه البيان ثالثا - ما هو الحكم فى الشريعة الإسلامية بشأن حجية الصورة الشمسية (الفوتوغرافية) كدليل ومدى إمكان الاعتداد بها فى الإثبات فى حالة عدم وجود الأصل الذى أخذت منه الصورة.
وهل يصح قضاء القاضى برفض الاستدلال بالصورة الشمسية فى هذه الحالة مطلقا بمقولة أنها عاطلة عن الحجية ما لم يقدم أصلها
صلى الله عليه وسلمn عن النقطة لأولى ذكر الفقهاء أن المدعى إذا قال للقاضى - عند طلب البينة منه على دعواه - لا بينة لى على الدعوى.
أو ليس عندى على ما أدعى به سوى فلان وفلان وعد شهودا وعينهم، ثم أحضر شهودا فى الصورة الأولى، أو أحضر غير الذين عينهم فى الصورة الثانية، لا يقبل القاضى شهادة الذين أحضرهم ولا يسمع شهادتهم، ولا تثبت الدعوى بشهادتهم إذا سمعت.
وعللوا ذلك بأن المدعى حين ذكر أن لا بينة له أو ليس عنده شهود يعتبر مكذبا لهؤلاء الشهود الذين أحضرهم.
والمقرر أن من شروط صحة الشهادة عدم تكذيب المدعى لشهوده.
ومن ثم لم تقبل شهادتهم وهذا عند الإمام أبى حنيفة. وقال الإمام محمد بن الحسن تقبل شهادة هؤلاء الشهود لاحتمال أن المدعى قد نسى أولا ثم تذكر ثانيا، فلا يحمل ما صدر منه على التكذيب ومثل ذلك ما إذا قال الشاهد لا شهادة لى على هذه الدعوى ثم شهد عليها بعد ذلك لا تقبل شهادته عند أبى حنيفة وتقبل عند محمد والأصح قول محمد وهو قبول الشهادة.
غير أن المشرع المصرى قد رأى الأخذ بالقول المخالف للأصح، ونص فى المادة رقم 191 من المرسوم بقانون رقم 78 سنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية على منع القضاة من سماع الشهادة فى الصور المذكور، وعدل بذلك عما هو مقرر أساسا فى المادة رقم 280 من هذا القانون من أن يقضى بأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة سدا لباب التحايل وإحضار الشهود المأجورين ومنعا للفساد بقدر الإمكان، وطبقا للقول الراجح فى مذهب الحنفية يقبل من المدعى فى حادثة الدعوى أى شهود يحضرهم ممن عينهم ومن غيرهم.
أما فى مذهب المالكية فقد جاء فى الجزء الأول من تبصرة الحكام لابن فرحون المالكى صفحة 41 طبع المطبعة البهية بمصر سنة 1302 هجرية ما يأتى مسألة - قال ابن حبيب قال مطرف فى القاضى يتواضع الخصمان عنده الحجج، فيقول لهما اجتهدا فغنى لسن أقيلكما فيضعان حجتهما ويوقع ذلك فى ديوان القاضى.
ثم يريد أحدهما أن يتحول من حجته إلى حجة أخرى فإنى أرى له أن يقبل الناس من حججهم ولا يظفرها عليهم حججا لا ينتقلون عنها إلى غيرها، لأن الرجل قد يضع حجته فيسقط منها كثيرا نسيانا لها أو عجلا أو حصرا.
إلا أن يستوعب أمر الخصمين بالكشف عن أمرهما ويعجزا أنفسهما ويقولا له ليس عندنا من البينة والحجج إلا الذى وضعناه عندك.
ثم إن القاضى وقف ليستشير فى ذلك فحينئذ إن بدا لأحدهما أن ينتقل عن حجته تلك إلى غيرها تكون أنفع له لم يكن له ذلك إلا أن يرى القاضى لذلك وجها ويثبت عنده عذره، فإن أتى ببينة وكان قد عجز نفسه عنها فإن رأى السلطان أن بينته تلك كانت غائبة عنه غيبة بعيدة أو لم يكن يعرف بها قبل ذلك منه ونظر له ما لم يفصل الحكم بينهما إلى أن قال.
قال فضل بن مسلمة قال ابن عبدوس.
حكى ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك رضى الله عنه أنه إذا أتى ببينة لم يكن علم بها أنه يقوم بها.
وهذا النص صريح فى أن المدعى إذا قدم بينة على دعواه وسمع القاضى الشهادة ودونها ثم بدا للمدعى أن يحضر ببينة أخرى على الدعوى فإن المذهب أن تقبل منه البينة ولو كان قد عجز نفسه، أو قال ليس عندى سوى ما قدمت من بينة، لأن الرجل قد يترك شهودا له يعرفون حقه ويشهدون به إما نسيانا أو تعجلا أو حصرا بتأثير الخوف والهيبة، أو عدم معرفة منه بهؤلاء الشهود ثم ينكشف له الأمر ولا يستثنى من ذلك إلا حالة واحدة لا يقبل فيها منه البينة الأخرى وهى ما إذا كان القاضى قد استوثق من أمر المدعى واستقصى ما عنده بكل الطرق وعجز المدعى نفسه وقال ليس عندى من الحجج سوى ما قدمت، وحتى فى هذه الحالة إذا بدا للقاضى أن للمدعى عذرا ووجها فيما قرره وصدر منه وثبت عنده عذره فإن له أن يقبل ببنته فى هذه الحالة، وذلك كله ما لم يكن قد فصل فى الدعوى.
ولكن هل أبدى المدعى فى حادثة الدعوى استعداده لتقديم بينة على دعواه غير التى قدمها وطلب إلى القاضى سماع بينته إذا كان قد فعل فقد طلب حقا مشروعا ومقررا لا يجوز حرمانه منه وإن كان قد اقتصر على من استشهد بهم وتمسك فقط بسماع شهادة السيدة التى لم تحضر، وكان القاضى قد رأى - فى تقديره - أن شهادة الرجال الثلاثة غير كافية للإثبات بقطع النظر عن سلامة التقدير أو قابليته للمناقشة فإنه فى هذه الحالة يجوز للقاضى على أساس تقديره أن يقضى برفض الدعوى دون انتظار لسماع شهادة السيدة، لأن شهادتها وحدها لا تكفى لإثبات الدعوى، إذ أن موضوعها ليس مما يقضى فيه بشهادة امرأة واحدة فلا جدوى من سماع شهادتها إذن.
عن النقطة الثانية نص الفقهاء على أن الشهادة إذا كانت بحق من حقوق العباد وجب أن تسبقها دعوى صحيحة شرعا، ووجب لصحتها أن تكون موافقة للدعوى نوعا وكما وكيفا وفعلا وانفعالا ووصفا وملكا ونسبة، فلو ادعى عشرة جنيهات وشهد الشهود عشرين جنيها، أو ادعى سرقة ثوب وشهدوا بغصبه منه، أو ادعى قتل وليه وشهدوا بالضرب، أو ادعى عقارا محدودا بحدود معينة وشهدوا بعقار محدد بحدود أخرى، أو ادعى زواج ابنته فاطمة وشهدوا بزواج أخته زينب لم تكن الشهادة موافقة للدعوى فى جميع هذه الصور.
وبالتالى لا تقبل ولا يحكم بمقتضاها - العناية وتكملة ابن عابدين من باب الدعوى) وليست الموافقة فى اللفظ بين الشهادة والدعوى ضرورية، بل تكفى الموافقة فى المعنى، وليس كل اختلاف بين الشهادة والدعوى يضر ويمنع من قبول الشهادة، فلوا شهدا بأقل مما ادعاه المدعى تقبل ويقضى بما شهدا به من الدعوى وترفض فى الباقى، وليس من عناصر التوافق بين الشهادة والدعوى بيان الشاهد مصدر علمه بما شهد به، لأنه ليس من عناصر الدعوى ووقائعها شئ يتعلق بذلك حتى تلزم موافقة الشهادة فيه.
والقاضى حين يريد التوثق من الشاهد وشهادته والوقوف على مدى معرفته بما يشهد به وتمكنه منه يسأله عن الأزمنة والأمكنة والألوان والأوصاف والتفاصيل التى تتعلق بوقائع الدعوى وحوادثها، كما يسأله عن مصدر علمه بما شهد به للتوثيق ومعرفة أنه يشهد عن علم لا عن مجرد الظن أو بالسماع من الغير، لأن الشهادة بالسماع لا تقبل إلا فى مواضع معينة وفى المادة رقم 182 من المرسوم بقانون رقم 78 سنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية يسأل القاضى الشاهد عن الأزمنة والأمكنة وغيرها وعن طريق علمه بالمشهود به وكيفية وصوله إليه، وعن مجلس الشهادة وغير ذلك مما تبين به درجة شهادته بدون حاجة إلى التزكية وإذا لم يطلب القاضى إلى الشاهد بيان مصدر علمه بما شهد به، ولم يبين الشاهد ذلك من تلقاء نفسه لا تعتبر شهادته مخالفة للدعوى، ولا يقدح فى سلامة شهادته وصحتها إذا كانت قد سلمت من أوجه النقص الأخرى التى تؤثر فى صحتها شرعا.
وإذا كان إغفال شهود المدعى فى حادثة الدعوى بيان مصدر علمهم بما شهدوا به هو وحده السبب فى رد شهادتهم فإن الأمر لا يبقى راجعا إلى سلطة القاضى فى تقدير الدليل، وإنما يصبح منطويا على مخالفة للقانون لأن ذلك لا يستوجب رد الشهادة شرعا كما ذكرنا - بيد أنه وردت فى الوقائع عبارة - إذا قال الشاهد إن الدار ملك المدعى أو ملك مورثه - وقد يؤخذ من هذه العبارة أن الشاهد ذكر أن طريق ملكية المدعى للعقار المتنازع عليه هو إرثه من مورثه وأشار إلى الوفاة والوراثة، فإن كان ذلك صحيحا فإنه يكون واجبا على الشاهد أن يبين وفاة المورث وورثته وملكيته للعين إلى وقت وفاته وتركها ميراثا لورثته ولو لم يسأله القاضى عن ذلك وإذا لم يبين ذلك ويستوفيه على الوجه الذى ذكره الفقهاء تكون شهادته ناقصة وغير صحيحة ولا يعول عليها.
ولا يعتبر هذا بيانا لمصدر علمه بما شهد به، بل هو من صلب الشهادة وتتمها يجب على الشاهد أن يذكره من تلقاء نفسه - تراجع التبصرة لابن فرحون المالكى جزء أول صفحة 199 وتكملة ابن عابدين فى فقه الحنفية جزء أول صفحة 194 وما بعدها طبع المطبعة الأميرية بمصر 1299 هجرية عن النقطة الثالثة اختلف الفقهاء اختلافا كثيرا فى جواز الاعتماد فى الإثبات على الخط والأوراق والمستندات الكتابية والحكم بالحق على ذلك.
فجوزه بعض منهم ومنعه آخرون.
وقد أخذ المشرع المصرى برأى القائلين بالجواز وضمن القوانين الصادرة للمحاكم الشرعية بلوائح ترتيبها والإجراءات المتعلقة بها فى سنة 1897، سنة 1910، سنة 1931 أحكاما واسعة فى الإثبات بالخط والأوراق والمستندات الكتابية وتنظيم الإثبات بها وطرق الطعن فيها.
ولم يكن تصوير المستندات والأوراق الكتابية معروفا من قبل، ومن ثم لم يبن الفقهاء - القائلون بجواز الاعتماد فى الإثبات على الخط والأوراق الكتابية - حكم الاعتماد على الصور الشمسية للأوراق كدليل على الدعوى، ومدى جواز الأخذ بها فى الإثبات.
وقد جرى القضاء فى المحاكم الشرعية على عدم جواز الأخذ بالصور الشمسية للأوراق والمستندات الكتابية فى حالة عدم وجود الأصل، لاحتمال أن يكون قد وقع فى الأصل تزوير على وجه لا يظهر ولا ينكشف فى الصورة كزيادة كلمة أو عبارة تغير مضمون السند أو تغير معنى فيه.
أى أن مبنى إهدار دلالة هذه الصور هو الاحتياط ومنع الضرر.
والشريعة تقتضى ذلك وتوجبه. ومن ثم يكون قضاء القاضى فى حادثة الدعوى برفض الاستدلال بالصورة الشمسية فى حالة عدم وجود أصلها بمقولة أنها عاطلة عن الحجية ما لم يقدم أصلها قضاء صحيحا.
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله.
أعلم