ضمان الطبيب

F أحمد هريدى.

ذو القعدة 1381 هـ- - 22 أبريل 1962 م

M 1 - اتفق الفقهاء على أن الطبيب الذى يجرى جراحة لمريض ثم يترتب على إجرائها ضرر به لا يضمن الطبيب أثر هذه الجراحة للمريض إلا إذا تحققت شروط إدانته شرعا.

2 - متى كان الضمان واجبا على الطبيب وحكم به فإنه يحل أخذه شرعا لمن وجب له

Q بالطلب المتضمن أنه فى عام 1949 كان مريضا بالمسالك البولية، ودخل مستشفى الأمريكان بطنطا للعلاج وتقرر له إجراء عملية جراحية، ثم عاوده المرض مرة أخرى، فأدريت له عملية تحويل البول من مجراه الطبيعى (القبل) إلى مجرى البراز (الدبر) دون استشارته ودون إذنه.

ولم تحصل منه المستشفى على إقرار كتابى بموافقته على إجراء هذه العملية.

وبعد إجراء العملية تبين له حصول ضرر شرعى حدث له بسببها حيث فقد الناحية الجنسية وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فيما لو تقدم بدعوى تعويض ضد المستشفى عما أصابه من أضرار جسمية، وحكم له بالتعويض.

فهل يكون مبلغ التعويض الذى يحكم له به حلالا شرعا أم حراما

صلى الله عليه وسلمn جاء فى حاشية ابن عابدين الحنفى على الدر المختار ولا ضمان على حجام وفصاد لم يجاوز الموضع المعتاد، وكان بالإذن - قال فى الكافى عبارة المختصر ناطقة بعدم التجاوز وساكنة عن الإذن.

وعبارة الجامع الصغير ناطقة بالإذن ساكتة عن التجاوز.

فصار ما نطق به هذا بيانا لما سكت عنه الآخر - ويستفاد من مجموع الروايتين اشتراط عدم التجاوز والإذن لعدم الضمان حتى إذا عدم أحدهما أو كلاهما يجب الضمان ولو شرط على الحجام ونحوه العمل على وجه لا يسرى لا يصح لأنه ليس فى وسعه إلا إذا فعل غير المعتاد فيضمن عمادية، وفى تنقيح الفتاوى الحامدية لابن عابدين أيضا سئل فى طبيب غير جاهل طلبت منه امرأة مريضة دواء لها فأعطاها دواء شربته فى بيتها فزعم ابنها أنه قد زاد مرضها بالدواء المذكور وأن الطبيب يلزمه ديتها إذا ماتت من المرض المذكور، فهل لا يلزمه شئ ولا عبرة بزعمه الجواب.. نعم وجاء فى حاشية الدسوقى المالكى على الشرح الكبير وكذا الختان والطبيب فلا ضمان إلا بالتفريط، فإذا ختن الخاتن صبيا أو سقى الطبيب المريض دواء أو قطع له شيئا أو كراه (كرى النهر حفره - والمقصود أجرى له عملية جراحية فمات) فمات من ذلك فلا ضمان على واحد منهما، لا فى ماله ولا على عاقلته، لأنه مما فيه تغرير فكأن صاحبه هو الذى عرضه لما أصابه، وهذا إذا كان الخاتن أو الطبيب من أهل المعرفة ولم يخطئ فى فعله، فإذا كان قد أخطأ فى فعله والحال أنه من أهل المعرفة فالدية على عاقلته، فإذا لم يكن من أهل المعرفة عوقب وجاء فى المغنى لابن قدامة الحنبلى والشرح الكبير ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا طبيب إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم وجملته أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين أحدهما - أن يكونوا ذوى حذق فى صناعتهم، ولهم بها بصارة ومعرفة لأنه إذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة الفعل.

وإذا قطع مع هذا كان فعلا محرما فيضمن سرايته كالقطع ابتداء.

الثانى - ألا تجنى أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغى أن يقطع، فإذا وجد الشرطان لم يضمنوا، لأنهم قطعوا قطعا مأذونا فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق إذ فعل فعلا مباحا مأذونا فى فعله، فأما إذا كان حاذقا وجنت يده مثل أن يتجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها أو قطع فى غير محل القطع أو قطع بآلة يكثر ألمها أو فى وقت لا يصلح القطع فيه وأشباه هذا ضمن فيه كله، لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ فأشبه إتلاف المال، ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء.

وهذا مذهب الشافعى وأصحابه لا نعلم فيه خلافا.

هذه هى النصوص الفقهية التى وردت فى كتب الفقه فى المذاهب المختلفة خاصة بموضوع الضمان فى الحالات التى تماثل الحالة موضوع السؤال وبالتأمل فيها يتبين أن الفقهاء قد اتفقوا على أن الطبيب الذى يجرى جراحة لمريض ثم يترتب على إجرائها ضرر بالمريض لا يضمن إذا توفرت فيه الشروط الآتية أولا أن يكون الطبيب ذا خبرة فى فنه وحذق فى صناعته.

وبالتعبير المصطلح عليه أن يكون جراحا أو إخصائيا فى الجراحة.

فإذا لم يكن كذلك بأن لم يكن طبيبا أصلا أو كان طبيبا لا معرفة له بالجراحة فإنه يضمن بمجرد الفعل، بل ويعاقب على فعله، لأنه يكون متعديا فى فعله، ومرتكبا محرما شرعا ولو لم يقع منه خطأ فنى فى العمل.

ثانيا أن يكون مأذونا من المريض أو ممن له ولاية عليه فى إجراء الجارحة - وعبارة ابن قدامة الحنبلى فى المغنى - تدل على أنه متى كانت الجراحة لازمة وكان الطبيب حاذقا تكون الحالة مأذونا فيها بالإذن العام كالإمام يقطع يد السارق يعتبر فعله مباحا ومأذونا فيه لا يضمن ما يترتب عليه من السراية.

فكذا هذا.

ثالثا أن لا يقع من الطبيب خطأ فنى فى العمل ولا إهمال فى الاحتياط اللازم لنجاح الجراحة، وتلافى المضاعفات التى يحتمل حدوثها فى مثل حالة المريض وحالة الجراحة.

رابعا ألا يجاوز الطبيب الموضع المعتاد للجراحة إلى غيره، ولا القدر المحدد لها إلى أكثر منه - فإذا توفرت هذه الشروط كلها فلا ضمان على الطبيب إذا ترتب على الجراحة ضرر بالمريض يستوجب الضمان، لأنه يكون حينئذ فى غير طاقته، وخارجا عن إرادته، أما إذا تخلف شرط من هذه الشروط بأن كان الطبيب غير عالم فى فنه، أو أجرى الجراحة بدون إذن خاص، أو عام، أو وقع منه خطأ فنى فى عمله ترتب عليه الضرر، أو جاوز المكان المعتاد أو تعدى القدر المعتاد، أو أهمل أو قصر فى الاحتياط، كأن استعمل آلة غير صالحة، أو عمل فى وقت غير صالح، أو مع قيام حالة بالمريض غير ملائمة فإنه يكون ضامنا لما يصيب المريض من أضرار نتيجة لعمله وجراحته، وهذا الذى قرره الفقهاء من مئات السنين هو ما استطاعت القوانين الوضعية والتشريعات الحديثة أن تصل إليه بعد أن اصطدمت بالواقع، وانتزعت قواعدها وأحكامها من تجارب الأحداث.

وظاهر مما ذكر أنه متى كان الضمان واجبا على الطبيب فى الأحوال التى أشير إليها وحكم بالضمان، فإنه يحل لمن وجب له الضمان أن يأخذه شرعا.

ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال، والله أعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015