F حسن مأمون.
ربيع الآخر 1378 هجرية - 20 أكتوبر 1958 م
M 1 - التعاقد على بناء عقار على أساس الأسعار السائدة وقت العقد فزادت الأسعار بلا فعل من أحد، ولكن بموجب عمل سياسى خارج عن إرادة الطرفين، يكون من قبيل الاستصناع، وهو بيع ما يصنعه العامل عينا، ويطلب فيه من الصانع العمل والعين جميعا، وهو عقد صحيح استحسانا.
2 - يرفع الغبن عن العامل بما يعوضه عن ارتفاع أسعار المواد المستعملة فى البناء، لأن التعاقد تم فى ظروف عادية بالأسعار العادية المعروفة وقت العقد.
3 - لا يكون التعاقد لازما بالأسعار العادية، ويكون للعامل الحق فى طلب الزيادة، ويرجع فى تقديرها إلى الخبراء فى ذلك
Q بالطلب المتضمن أن أحد السعوديين قد تعاقد مع الحكومة السعودية على إقامة بناء بمنطقة الظهران لقاء مبلغ معين فى أوائل أبريل سنة 1956 - على أساس الأسعار السائدة لمواد البناء وقت التعاقد وحينما وقع الاعتداء الثلاثى على قناة السويس تعطل نقل هذه المواد غلى المملكة العربية السعودية، وارتفعت أسعار مواد البناء فكانت تباع محليا بثلاثة أضعاف قيمتها وقت التعاقد، فأوقف المقاول أعمال البناء كى ترفع الحكومة السعودية من قيمة المقاولة بما يعوض هذه الخسارة وتقدم بعدة طلبات إلى الحاكم الإدارى مؤيدة بالمستندات الدالة على التكاليف الفعلية، وكان الحاكم الممثل للطرف الثانى يجيبه فى كل مرة بطلب الاستمرار فى العمل حتى إتمامه، ولا يخشى شيئا وسينظر فى الأمر وطلب بيان حكم الشريعة الغراء فى هذا الأمر ومدى حق المقاول فى المطالبة بتعويض يرفع عنه هذه الخسارة الكبيرة
صلى الله عليه وسلمn إن التعاقد المسئول عنه من قبيل الاستصناع وهو لغة طلب العمل، وشرعا بيع ما يصنعه عينا، فيطلب فيه من الصانع العمل والعين جميعا وهو صحيح استحسانا، وقد جرى التعامل به من عهد الرسول عليه السلام إلى يومنا هذا فقد استصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما ومنبرا، فصار كدخول الحمام بأجر، فإنه جائز استحسانا للتعامل، وإن أبى العباس جوازه لجهالة مقدار المكث وما يصب من الماء.
ولمبيع هو العين بعد إتمام العمل، وقد توالى العمل به فى سائر الأعصار من غير نكير متى بين وصف العمل على وجه يحصل به التعريف، وينعقد إجارة ابتداء، ويصير بيعا انتهاء قبل التسليم بساعة وهذا هو الصحيح، كما ذكره صاحب الهندية بالجزء الثالث من فتاويه ولاشتمال هذا التعامل على عقدى إجارة وبيع وجب أن تتوافر فيه الشروط اللازمة شرعا لصحة كل منهما فيجب أن يكون عوض العمل والأوصاف المحددة للعمل النافية لجهالة معروفة لدى الطرفين حتى ينقضى العذر بينهما ولا يفضى هذا التعاقد إلى المنازعة مستقبلا، كما يجب أن تكون الزيادة التى تظهر فى الثمن المقابل لهذا العمل عما تعورف ثمنا له فيما بين الناس زيادة قليلة يتغابن الناس فى مثلها، فإن فحشت بأن كانت كبيرة لا يتغابن الناس فى مثلها فى العادة كان ذلك سببا فى فساد التعاقد الأول ووجوب الزيادة فى القيمة غلى الحد الذى يرفع الضرر عمن وقع عليه متى قبل صاحب العمل وتمسك بالتعاقد.
ويتحقق ذلك بتحكيم أهل الخبرة فى مثل هذا العمل باتفاق الطرفين لتقدير قيمته حسب أمثاله وقت تسليمه إلى الطرف الآخر، أو الرجوع باتفاقهما إلى قيمة المثل بدون تحكيم، وما يظهر من الفرق بين القيمتين يأخذه الطرف الواقع عليه الضرر وهو الصانع من الطرف الثانى وهو المستصنع الحكومة السعودية - وبذا يرتفع الضرر وتحل الزيادة لمن أخذها ومن الأسباب الموجبة لهذا المصير تغير السعر بعد التعاقد عنه وقت التعاقد - فقد جاء فى الشرح الكبير لابن قدامة أن السلعة المباعة إن تغير سعرها وهى بحالها فإن غلت قيل لا يلزم البائع الإخبار بذلك، لأنه زيادة فيها وهو صادق بدون الإخبار بذلك، وقيل يلزمه الإخبار بالحال لأنه أبلغ فى الصدق وأقرب إلى البيان وبذلك ينتفى التدليس، كما يلزمه بيان العيب، ولأن المشترى ربما بعد البيان لا يرضاها بهذا السعر فكتمان البيان تقرير وبالنسبة للرجوع إلى القيمة فى هذه الحالة جاء فى الفتاوى البزازية ج- 2 - تقبل من رجل بناء حائط بلبن وطين من عند البانى فسد، فإن بنى ينظر إلى قيمة اللبن والطين يوم الخصومة، مثلا قيمته ثلاثون يقوم الحائط مبنيا، مثلا قوم بأربعين علم أن قيمتها ثلاثون وقيمة أجر البناء عشرة فيلزم قيمتها وأجر مثل البناء لا يتجاوز عن عشرة.
وفى الهندية ج- 4 لو شرط على البناء أن يكون الآجر والجص من عنده وكل شئ من هذا الجنس يشترط فيه على العامل شيئا من قبله بغير عينه فهو فاسد فإذا عمله فالعمل لصاحبه المتاع، وللعامل أجر مثله مع قيمة ما زاد كذا فى المبسوط وفى الهندية ج- 3 الزيادة فى الثمن والمثمن جائزة حال قيامها سواء كانت الزيادة من جنس الثمن أو من غير جنسه، وتلحق بأصل العقد ويعتبر كأنه باعه مع هذه الزيادة وكما تصح الزيادة من المشترى فى الثمن يصح الحط منه من البائع كما تصح الزيادة فى المبيع ويلحق كل ذلك بأصل العقد، والزيادة فى الثمن والحط منه سواء مادام البيع لم يمض لثبوت الخيار فيه لأحد المتعاقدين أولهما معا، مما سبق من النصوص يظهر الحكم فى هذه الحادثة وهو أنه يجب شرعا رفع الغبن عن هذا المقاول بما يعوضه عن ارتفاع أسعار المواد التى استعملها فى إقامة هذا المبنى، لأنه حين تعاقد فى ظروف عادية بالأسعار المعروفة حينئذ كان لكل من المتعاقدين الخيار شرعا إلى أن يفرغ العمل، ويسلم المبنى إلى الحكومة السعودية، فلم يكن التعاقد لازما إلى هذا الوقت، وبتغيير الحال على الوجه المشار إليه فى السؤال بارتفاع الأسعار إلى أضعاف ما كانت عليه يصبح المقاول فى حل من طلب الزيادة ولصاحب العمل أن يقبل أو يرفض، والفصل فى ذلك لأهل الخبرة والقضاء وقد تقدم المقاول إلى الطرف الثانى متظلما طالبا الزيادة فى قيمة العمل حتى يمكنه إتمامه، فأمره ممثل الحكومة السعودية بمتابعة العمل وأعلمه بأنه سيراعى هذه الظروف وهذا منه عدول عما اتفق عليه من الثمن سابقا وقبول الزيادة فيه، وذلك جائز شرعا كما لو ابتدأ صاحب العمل ورفع الثمن بدون طلب من العامل فإنه جائز شرعا، وتحل الزيادة للبائع - المقاول - بلا نكير وإن لم تكن محددة المقدار كما هنا، فإذا اتفق الطرفان على زيادة معينة ترفع الضرر والغبن عن المقاول لزمت وارتفع النزاع وإلا حكمنا خبراء الصنعة لتقدير قيمة العمل عند الخصومة، والله أعلم