وقد جعل الله سبحانه وتعالى تلك البقاع بقاعاً آمنة مقدسة، وأبقى فيها الآيات التي هي من آيات الله تعالى الكونية، قال تعالى: ((إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً)) (آل عمران:96-97) .
ومن هذه الآيات البينات التي لا تزال فيه مقام إبراهيم عليه السلام الذي كان يقوم عليه، فإنه لما كان يبني البيت ظهرت آثار قدمه على الحجر مع طول مقامه ووقوفه عليه، فأصبح ذلك الحجر آية من آيات الله الباقية.
يقول أبو طالب:
وموطئُ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه غير ناعل
هذا المقام جُعل آية من آيات الله، وجُعِلَ في هذا المكان، وأمر المصلون بأن يصلوا خلف المقام، قال الله تعالى: ((واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)) (البقرة:125) . أي: صلُّوا عنده، وصلاتكم تكون لربكم وحده، وإنما يكون ذلك المقام، وذلك البيت قبلة لكم تتوجهون إليه.
وهذا البيت الذي أمر الله بتطهيره في قوله تعالى: ((أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين)) (البقرة:125) . له أهميته، وله مكانته، وله منزلته في النفوس، ولأجل ذلك فإن قلوب العباد تتجه إليه، وتتعلق به، في شرق البلاد وغربها، وفي قريبها وبعيدها، حيث إنه قبلتهم التي يتوجهون إليها في صلاتهم، وفي أدعيتهم، قال الله تعالى: ((قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)) (البقرة:144) .
فالمسلمون في بقاع الأرض عندما يتوجهون في صلاتهم يستقبلون هذا البيت، وهذا الاستقبال بلا شك يبعث هممهم ويحرك بواعثهم وقلوبهم على الإكثار من زيارته والتردد إليه، حيث إنه البيت المعظم والبيت المحرَّم.