فلما كانت هذه مكانته، كان مخصوصاً لأن يكون محلاً لأداء المناسك والعبادات، فالحجُّ لا يكون إلا إلى مكة، والعمرة لا تكون إلا إلى مكة، ولا يكون الطواف إلا بالبيت، فلا توجد بقعة أو تربة يجوز أن يُطاف بها إلا البيت العتيق، ومن هنا تستمد أهميته ومكانته.
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
العبادات التي يُتعبد بها في مكة المكرمة لا شك أنها قربات يُتقرب بها إلى الله تعالى، وذلك لأنه هو المعبود وحده، ولأن تلك الأماكن لها فضلها، ولها ميزتها، وتضاعف فيها العبادة، فيقصدها المؤمنون لمضاعفة أجر العبادة فيها، وهم يعرفون أن الله تعالى هو المعبود، بخلاف المشركين الأولين، فإنهم كانوا يعتقدون أن المعبود هو أصنامهم التي كانوا يعظمونها في تلك البقاع، فمحا الإسلام ذلك، وجعل التعظيم لله تعالى وحده.
وإن تعظيم تلك المشاعر تعظيمٌ للرب الذي شرع تلك المشاعر وتلك الحرمات، فقول الله تعالى: ((وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تُشرك بي شيئاً)) (الحج:26) . بدأ بالنهي عن الشرك، وذلك حتى لا يتخذ ذلك الموقع معبداً لغير الله، تعبد فيه الأصنام، ثم قال الله تعالى: ((وطهر بيتي للطائفين والقائمين والرُكع السجود)) (الحج:26) .
أمر بأن يُطهَّر وليس التطهير بغسله بالماء، ولكن تطهيره من الأقذار والأرجاس والأنجاس والشركيات والبدع والمحدثات، فيطهره من هذه الأشياء، لأنه مكان مقدس، ولأنه موضع العبادة.
وأمر بأن يُطهر، لأن هناك من يقصده لأن يطوف به، والطواف عبادة، وهناك من يقصده لأجل الاعتكاف فيه، والاعتكاف عبادة، وهناك من يقصده للصلاة فيه، أي: الصلاة التي هي قيام وقعود، وركوع وسجود، وهي كلها عبادة. فأمر بأن يكون المكان نظيفاً طاهراً من الأرجاس والأنجاس والشركيات والبدعيات ونحوها.