لكن مع توالي الجهل، ومرور السنين أحدثوا فيه أحداثاً، وجعلوا فيه بدعاً ومنكرات ليست من الدين، والذي حملهم على ذلك جهلهم، فكان ولابد أن يكون هناك من يجدد هذه المشاعر، فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وحج بالناس في سنة عشر، وأعاد المناسك إلى ما كانت عليه في عهد أبيه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وردّ كل المحدثات التي أقامها المشركون، سواء كانت قولية أم فعلية، وعاد الناس إلى معرفة الأحكام، ومعرفة ما عليهم، وهو الذي بقي -والحمد لله- إلى هذا الزمان.
وقد أظهر الله تعالى حرمة مكة وقداستها ونهى المشركين أن يدخلوها، ونهى المؤمنين أن يُمكِّنوا المشركين من دخولها، قال الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)) (التوبة:28) . وقد امتثل المسلمون لذلك إلى زماننا هذا، فلا يجوز لأيِّ كافر أو مشرك أن يدخل مكة.
وهكذا بقيت مكة -والحمد لله- مصونة ومحفوظة من المشركين، لا يدخلها إلا الموحدون المسلمون، وذلك لأنها البقعة المباركة المشرفة التي لها فضلها، وبها المسجد الحرام الذي أخبر الله بفضله، وسماه بهذا الاسم، فقال تعالى: ((لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون)) (الفتح:28) .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقدسية ذلك المسجد وبأهميته، فقال صلى الله عليه وسلم: "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مئة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمس مئة صلاة".
فأخبر بفضل هذه المساجد الثلاثة، فالصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة، والمسجد النبوي بألف، والمسجد الحرام بمائة ألف.
والصلاة الواحدة تعدل هذا الفضل! وما ذاك إلا لشرف المكان وَقِدَمِ العبادة، ولأنه قبلة المسلمين الذين يهوون إليه في كل زمان ومكان.