الحج كما ذكرنا ركنٌ من أركان الإسلام، وقد كان معمولاً به في الشرائع السابقة. فقد ذكر المؤرخون أن الله تعالى أنزل هذا البيت العتيق لآدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض، فأحب أن يكون له موضع يقصده، ويتعبّد فيه، ويطوف به كما تطوف الملائكة بالبيت المعمور. فعند ذلك جعل الله له هذا البيت العتيق ليتعبد فيه. ثم أخبر عليه الصلاة والسلام بأن الأنبياء، قد قصدوه، فقصده نوح وهود وصالح ونحوه من الأنبياء عليهم السلام، وذكر صلى الله عليه وسلم أنهم توجهوا إليه، يُلبُّون على رواحلهم قاصدين أداء المناسك في تلك المشاعر المفضلة.
وهكذا استمروا، ولكن مع توالي السنين انهدم البيت وبقي مكانه مرتفعاً، حتى جدده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، قال الله تعالى: ((وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت)) (الحج:26) . يعني أخبرناه بموضعه الذي كان موجوداً فيه حتى يعيد بناءه، فأعاده هو وإسماعيل عليهما السلام، قال الله تعالى: ((وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)) (البقرة:125) .
وأخبر بأنه أقامه هو وابنه إسماعيل عليهما السلام في قوله تعالى: ((وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا)) (البقرة:127) .
هكذا جدده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبقي مقصوداً تعترف به العرب؛ بل وتعدُّه فخرها وعزّها وذخرها، ويأتون إليه من أماكن بعيدة، يؤدون فيه المناسك، فيطوفون، ويسعون ويعتمرون، ويحجون ويذهبون إلى المناسك والمشاعر التي حوله، ويرجعون وقد تزودوا بما تزودوا به من الأعمال.