وقد احتفظ صحابته ببيانه، وبما بلَّغه صلى الله عليه وسلم في هذا الركن العظيم وفي غيره من الأركان.
لقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم للناس بأنه سوف يحج في ذلك العام في سنة عشر، فلما أعلنه وأظهره توافد كثير ممن حول المدينة، إلى المدينة، وقصدهم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم والسفر معه؛ حتى يؤدوا المناسك مثل ما يؤديها، واجتمع في المدينة خلق كثير، أما الذين لم يتمكنوا من المجيء إلى المدينة، فإنهم توجهوا من بلادهم التي هم فيها إلى مكة مباشرة.
وكانت مكة قد طُهِّرَت من الأصنام ومن المشركين ومن العادات الجاهلية، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر وغيره من الصحابة في سنة تسع، وأمرهم بأن ينادوا: "أن لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان". فنادوا بذلك، فعرف الناس هذا الحكم، فلم يطف بالبيت عريان بعد ذلك العام، ولم يحج أحد من المشركين حيث إن الله أظهر حرمة مكة وقداستها، ونهى المشركين أن يدخلوها.
وسوف نتناول هذه الفريضة، فضلها وأحكامها مستعرضين ما قد يقع فيه البعض من قصور أو أخطاء في أداء تلك المناسك، ونحرص أن نذكر شيئاً من الحِكَم التي تعين العبد أن يعلم الحكمة والمصلحة التي شرعت لأجلها هذه العبادة، فإن معرفة العبد للحكمة والمصلحة تشرح قلبه، وتجعله يدرك أن الله تعالى ما شرع شيئاً إلا وفيه مصلحة، وأنه ليس شيء من أحكام الله شُرع عبثاً بل كل نسك من تلك النسائك، وكل عبادة من تلك العبادات فيها مصلحة ظاهرة جليَّة، فيحرص أن يتأثر بها، وأن تبقى آثارها عليه بقية حياته.
نسأل الله أن يرزقنا حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً، وعملاً صالحاً مقبولاً، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
البيت العتيق