فقد أرسل الله سبحانه محمداً بالحق بشيراً ونذيراً، وأمره بأن يبين للناس ما نزِّل إليهم، وأن يبين لهم شريعتهم، قال تعالى: ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)) (سورة النحر: 44) . فبين لهم صلى الله عليه وسلم هذا الدين الذي بُعث به وأمر بتبليغه، وبين أن لهذا الدين أركان، بقوله صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً".
فبدأ بالشهادتين وبيَّن ما يدخل فيهما، ودعى إلى التوحيد أكثر عمره في مكة، أي نحو عشر سنين.
ثم بعد مضي العشر بدأ في بيان الركن الثاني وهو الصلاة، حيث فُرضِت عليه فأقامها بمكة ثلاث سنين وبقية عمره أيضاً بالمدينة. وفرضت عليه قرينتها -وهي الزكاة- في المدينة، وهي الركن الثالث من الأركان، وقد بين أحكامها صلى الله عليه وسلم أتم بيان.
وفرض عليه الركن الرابع -وهو الصوم- بالمدينة، فبينه بقوله وفعله صلى الله عليه وسلم.
وفرض عليه الركن الخامس وهو الحج إلى بيت الله الحرام، وقيل: إنه فرض في السنة السادسة من الهجرة. وقيل: في السنة التاسعة وهو الصحيح الذي تدل عليه الأدلة.
والحج كما هو معلوم كان مأموراً به من قبل، ولكن لم يفرض إلا في السنة التاسعة كما ذكرنا، ولم يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من أدائه وبيانه بالفعل إلا في السنة العاشرة فعند ذلك بيّنه صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله بأدائه كاملاً، وكان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على أن يحفظوا عنه المناسك، فكان يقول صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم، فلعلي لا أراكم بعد عامي هذا". وعاش بعد ذلك نحو إحدى وثمانين أو اثنتين وثمانين ليلة، وختمت بذلك حياته وانتقل إلى الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم.