أما سمعت ما يقول الداعي لأتباعه يوم القيامة _ حيث يقوم خطيباً فيهم: ((وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي)) . (سورة إبراهيم، الآية: 22) .
فقال المسرف: كيف أستطيع أن أترك ما أنا فيه: والله هو الذي قدره علي؟! وهل يمكنني الخروج عن قضائه وقدره.
فقال له الناصح: نعم؛ يمكنك الخروج بقدره. والتوبة والإقلاع عما أنت فيه _ وأنت تعلم علماً لا تشك فيه _ من قدر الله. فارفع قدر الله بقدره.
ثم إن قولك: (إن المعاصي الواقعة مني، من قدر الله) ؛ إن أردت: أن الله أجبرك عليها وحال بينك وبين الطاعة؛ فأنت كاذب. وأول من يعلم كذبك نفسك: فإنك تعلم كل العلم أنك لو أردت ترك الذنوب لما فعلتها، ولو أردت إرادة جازمة فعل الواجبات لفعلتها. فلقد أقدمت على المعاصي برغبة منك ومحبة لها، وإرادة لا تشك ولا يشك غيرك فيها، وتعلم أن قولك: (إنها بقضاء الله وقدره) ؛ دفع اللوم عنك. فهل تقبل هذا العذر: لو ظلمك ظالم، أو تجرأ عليك متجرئ؛ وقال: (إني معذور بالقدر؛ فلا تلمني) . أما يزيدك كلامه هذا حنقاً وتعرف أنه متهكم بك؟!.
فقال المسرف بلى؛ هذا الواقع.
فقال الناصح: كيف ترضى أن تعامل ربك _ الذي خلقك وأنعم عليك النعم الكثيرة _ بما لا ترضى أن يعاملك به الناس؟!. وإن أردت بقولك: (إنها بقضاء وقدر) ؛ بمعنى: أن الله علم مني أني سأقدم عليها، وأعطاني قدرة وإرادة أتمكن بهما من فعلها؛ وأنا الذي فعلت المعاصي بما أعطاني ربي: من القوى التي مكنني فيها من المعاصي؛ واعلم أنه لم يجبرني ولم يقهرني، وإنما أنا الذي فعلت، وأنا الذي تجرأت_: فقد رجعت إلى الحق والصواب، واعترفت بأن لله الحجة البالغة على عباده.
المثال الثاني
في الآجال والأرزاق