وبالجملة فإن الكلام في هذا يطول، ومن أراد أن يتوسع في ذلك فليراجع رسالة شيخ الإسلام، وغيرها من الرسائل، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمداً وآله وصحبه وسلم.
خاتمة
وبعد هذا الجواب المفصل المقنع إن شاء الله فإننا نذكر مثالين – واقعين لكثير من الناس في القضاء والقدر –، وقد ذكرهما فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله – في كتابه:
((الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية)) فقال:
المثال الأول:
رجل كان مسرفاً على نفسه كثير الجراءة على المعاصي
فقال له صاحبه – وهو يناصحه ويحاوره –: أما ترتدع عما أنت عليه؟ أما تتوب إلى ربك وتنيب إليه؟ أما علمت أن عقابه شديد على العاصين؟.
فقال المسرف: دعني أتمتع فيما أريد؛ فلو شاء الله لهداني، ولو أراد لي غير ذلك لما أغواني. فقال له الناصح: بهذا الاعتذار الكاذب ازداد جرمك، وتضاعف ذنبك؛ فإن الله لم يغوك بل الذي أغواك: الشيطان؛ وانقادت له النفس الأمارة بالسوء حيث قال الشيطان _ مخاطباً لربه _: ((قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين)) . (سورة ص، الآيتان: 82، 83) . فالشيطان دعاك إلى المعاصي فأجبته، والله دعاك إلى الهدى فعصيته.
بين الله لك السعادة وطرقها، وسهل أسبابها ورغبك فيها ووضح لك طريق الشقاوة، وحذرك من سلوكها واتباع خطوات الشيطان. وأخبرك بما تؤول إليه: من العذاب الشديد؛ فرضيت، واستبدلت الضلالة بالهدى، والشقاوة بالسعادة.
وجعل لك قدرة وإرادة تختار بهما، وتتمكن بهما من كل ما تريد. ولم يلجئك إلى فعل المعاصي، ولا منعك من الخير فسلكت طريق الغي وتركت طريق الرشد. فلا تلم إلا نفسك.