نقول لهم: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة)) . فقال رجل من القوم: ألا نتكل؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا. اعملوا فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ: ((فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى)) . (سورة الليل، الآيات: 5-10) .)) . (أخرجه البخاري برقم6605) ، (ومسلم برقم2647) (من حديث علي رضي الله عنه وقد سمعه في البقيع) .
فقد أثبت الله تعالى في هذه الآية أن للإنسان عملاً فقال: ((أعطى واتقى، وصدق)) وهذه كلها أعمال، ثم قال: ((فسنيسره لليسرى)) أي إذا عمل صالحاً كالتقوى والصدق ونحوها فإنا سنيسره لليسرى.
ثم قال: ((بخل واستغنى، وكذب)) وهذه أيضاً أعمال، قال: ((فسنيسره للعسرى)) أي إذا عمل أعمالاً غير صالحة كالبخل والكذب ونحوها فإنا سنيسره للعسرى.
فالإنسان إذن له عمل، وعمله هو أنه يؤمر فيأتمر ويمتثل، ويكون ذلك بمشيئة الله، فلو شاء الله تعالى لم يستطع، ولو شاء الله لرده، ولحال بينه وبين ذلك، لكنه شاء، وله مشيئته التامة، فحلى بينه وبين هذا الاختيار، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وتوعدهم على ذلك:
فتوعدهم على الشر بأنه يعاقبهم عليه، وإن كان الله قادراً على هدايتهم.
ووعدهم على الخير بأنه يثيبهم عليه، وإن كان الله قادراً على إضلالهم.
وله الحكمة البالغة بأن:
خلق هؤلاء للجنة وهداهم، وأقبل بقلوبهم، فله المنة عليهم، فلا ينعمهم إلا بفضله.
وخلق هؤلاء للنار، ويعذبهم بها، وإن كان قادراً على أن يهديهم، ولكنه حال بينهم وبين ذلك، ولم يوفقهم لأسباب الهداية، وجعل لهم الاختيار في أن فضلوا الشر على الخير، فإن عملوا بالشر وصاروا من أهله، عاقبهم ربهم، وعقوبتهم تكون عدلاً منه وليس ظلماً: ((ولا يظلم ربك أحداً)) . ((سورة الكهف، الآية: 49) .