فأما إن أراد التمتع بلذيذ خطاب ربه وسماع كلامه منه إليه، وأن أهل الأحوال تتصل قلوبهم بالملأ الأعلى، ويناجون الله ويكلمهم ويكلمونه، ونحو ذلك، فكل ما يقولون في هذا الباب هوس ووحي شيطان، فإن الله تعالى خص أنبياءه بوحيه وخص موسى بالتكليم، كما قال تعالى: ((وكلَّم الله موسى تكليماً)) (النساء:164) . وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وقد قال تعالى: ((وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليم حكيم)) (الشورى:51) .
وهذا الكاتب قد ذكر أن الصوفية ترفع عنهم الحجب والأستار، ويناجون ربهم ويتلذذون بكلامه، ومعنى هذا: أنهم فاقوا كثيراً من الأنبياء والرسل، الذين هم الواسطة بين العباد، فإن الرسل إنما يوحي الله إليهم وحياً، أو يرسل إليهم الله وبين رسولاً ملكياً أو يكلمهم من وراء حجاب، كما في نص هذه الآية، أما الصوفية في زعم هذا الكاتب فإنها ترفع لهم الحجب، وتخترق قلوبهم الأستار، وتتصل بالملأ الأعلى، وتسمع خطاب الرب تعالى مباشرة، وتتمتع بلذيذ ذلك الخطاب، فهل بعد هذا الغلو والرفع لمقامهم من زيادة، سبحان ربنا الأعلى؟!
* فأما استدلاله بقوله تعالى: [ ((يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً)) . وقوله: لفظ "أيها" بالذات في لغة العرب، لا يقال إلا عند المواجهة، والشاهد لا يكون عن غيبة بل لابد من حضور] . فالمتبادر أنه يقصد أحد أمرين:
أحدهما: أن الله خاطبه وهو حاضر شاهد عنده، بأن كشف له الأستار، وقربه من حضرة القدس، وخاطبه كفاحاً بلا واسطة ملك ولا غيره، وهذا ليس على إطلاقه، فإن الآيات التي فيها نداء النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن كثيرة، ومعلوم أنها نزلت كغيرها بواسطة الملك وحياً من الله إليه، كما في قوله تعالى: ((نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين)) (الشعراء:193-194) .