فنحن نقول: ما نوع الأنس الذي يذوقون حلاوته، ثم يرون من لطفه العجائب؟ فإن كان الأنس بالذكر والصلاة والدعاء والتلاوة والتنقل في العبادة، فليس من شرط ذوقه الانفراد والعزلة والبعد عن الناس وترك الجمع والأعياد والجماعات؛ بل إن حلاوة العبادات يحس بها كل من أحضر قلبه حال أدائها، وأعرض عن كل ما يشغل القلب عن الإقبال على التدبر من أوهام ووساوس وحديث نفس، فتفريغ القلب من ذلك سهل ويسير على من يسره الله عليه، فهؤلاء هم الذين يوليهم الله عنايته ويلطف بهم، ويكون من آثار لطفه أن يحميهم ويحفظهم عن القواطع والعوائق، ويعصمهم من كبائر الإثم والفواحش، ويحميهم أيضاً من الشهوات والملذات التي تعوق سيرهم إلى ربهم، ويكون من آثار لطفه توفيقهم وتسديدهم: في الأقوال، والأعمال، والإقبال بقلوبهم على الطاعات، والاستكثار من الصالحات، وهذه سيرة الصحابة رضي الله عنهم، ومن سار على نهجهم، الذين عمروا أوقاتهم بالتعلم والتفهم، والعمل والتطبيق، وهم مع ذلك لم ينقطعوا عن الشهوات المباحة أسوة بنبيهم الذي قال: "لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن يرغب عن سنتي فليس مني".
* فأما قول الكاتب: [وتمتع بلذيذ الخطاب بعد رفع الحجاب] .
فنقول: إن أراد التمتع والتلذذ بتدبر القرآن وتعلقه؛ بحيث يعده خطاباً من ربه إليه، فهذا حق وصواب، فإن الله تعالى أمر بذلك كما في قوله: ((ليدّبروا آياته)) (ص:29) . وقوله: ((أفلم يدّبروا القول)) (المؤمنون:68) . لكن ليس من شرط هذا التمتع خلوة، أو انفراد؛ بل يحصل التلذذ بتدبره في الصلاة، وبين الناس.