الثاني: أن يقصد أننا متى قرأنا هذه الآية فإنا نخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، كأنا نراه مواجهة ومقابلة، وأنه شاهد عندنا حاضر ليس بغائب، فيفيد ذلك أنه حي لم يمت، وأنه يسمع كل من خاطبه بهذه الآية أو غيرها، وأنه شاهد مع كل أحد في كل مكان، متى ناداه وخاطبه سمعه وأجابه، وأن هذا الوصف يعم كل ولي وصالح من أكابر الصوفية، ونحوهم. وهذا لا يصح؛ فلفظ "أيها": ليس خاصاً كما قال هذا بالمواجهة؛ بل إن الله خاطب نبيَّه بهذه الآيات الكثيرة آمراً له بما أرسله به، وما كلفه به من البشارة والنذارة والتبليغ والبيان، وكل ذلك أنزله بواسطة ملك الوحي، فالخطاب بواسطة يناسب فيه لفظ "أيها" فلا تدل على استلزام مواجهة ومقابلة.
أما لفظ الشاهد: فالمراد الشهادة على الأمة بأنهم قد بُلِّغوا ودُعُوا وقامت عليهم الحجة، كما في قوله تعالى: ((ويكون الرسولُ عليكم شهيداً)) (البقرة:143) . وقوله: ((ليكون الرسول شهيداً عليكم)) (الحج:78) . قيل: شاهداً على أنه قد بلّغكم ما أنزل إليه وبينه لكم، وقيل: شاهداً على أصحابه بحسن أعمالهم وصلاحهم واستقامتهم، فما يوهمه كلام الكاتب لا صحة له.
ثالثاً: الصوفية كغيرهم لا يملكون شيئاً من أمر الكون لأنه لله وحده:
ثم قال الكاتب:
[الصوفي: هو من عرف أن التوجه إلى الله والانقطاع إليه مما ينيل القصد، ويهيئ النفس للملكية.. الخ] .
أقول:
قد ذكرنا أول الكلام تعريف الصوفية في أول الأمر، ثم ما آل إليه أمرهم وما دخل عليهم من البدع، ثم الطرق التي أوقعت الكثير منهم في الخروج عن الإسلام: كالحلول، والاتحاد، فأما التوجه إلى الله والانقطاع إليه فهو صفة شريفة عَليَّة متى قصد منها الإقبال على العبادات، والتفرغ لها والإعراض عن كل ما يشغل عن الطاعة، ويعوق عن مواصلة السير إلى الله.