[من ذاق حلاوة أنسه رأى من لطفه العجائب، وتمتع بلذيذ الخطاب بعد رفع الحجاب، قال تعالى: ((يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً)) (الأحزاب:45) . لفظ (أيها) بالذات في لغة العرب، لا يقال إلا عند المواجهة، والشاهد لا يكون عن غيبة بل لابد من حضور، قال صلى الله عليه وسلم: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"] .
جوابه:
أن نقول: يعتقد الصوفية أن حلاوة الأنس بالله تعالى، لا تحصل إلا بالخلوة الطويلة والانفراد، ويسمون تلك الخلوة جمعية القلب، فإن أحدهم ينفرد في زاوية من مكان مظلم، ويبدأ في التفكير ويطيل النظر، ويتناسى الخلق كلهم، ويجمع همه على ربه، فربما ترك عدة صلوات متوالية تمر به حالة انفراده مخافة تفرق همومه وفساد جمعيته. وفي النهاية يزعم أنه يحصل له في تلك الخلوة مكاشفات واطلاع على الملأ الأعلى، وعلى أمور غيبية وخفية، ويسمى ذلك لذة الأنس، أو حلاوة المناجاة، ويزعم أنه يتمتع بلذيذ الخطاب، ويرفع له الحجاب عن ربه فيطلع بقلبه على ما أخفِي عن غيره، ويسمى الذين لم يصلوا إلى درجته ومنزلته: محجوبين مبعَدين عن القرب الذاتي إلى ربهم، وقد يصل أحدهم إلى غاية قصوى تسمى عندهم بالفناء؛ بحيث يفنى أحدهم بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده؛ بحيث يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، وقد تجرهم هذه الأحوال إلى عقيدة سيئة هي اتحاد الخالق بالمخلوق (عقيدة أهل الحلول) ، وقد يزعم بعضهم أن مشايخهم وأكابرهم يصلون إلى درجة تسقط عنهم التكاليف، وتباح لهم المحرمات، ونحو ذلك من الخرافات، التي يمدحهم لأجلها هذا الكاتب وأضرابه.
ونحن نقول: إن حلاوة الأنس بالله لا تحصل إلا بالاشتغال بذكره ودوام عبادته، والبعد عن القواطع والشواغل التي تقسي القلب، وتحول بينه وبين التفكير في آلائه، والتذكر لنعمائه.