فنقول: صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم إمام جميع أمة الإجابة الذين صدقوه وشهدوا له بالرسالة؛ ولكنه لم يشرع لأمته هذه الشطحات، ولا نقلت عنه تلك المواجيد والأذواق المزعومة، فأما خلوته في غار حراء فذلك تمهيد من الله لنزول الوحي عليه، ففي تلك الخلوة تصفية لسريرته وتفريغ لقلبه عن الشواغل، وإبعاد عن المجتمع المليء بالشرك والمعاصي والمخالفات؛ لكنه بعد أن نزل عليه الوحي لم يرجع إلى غار حراء، وما حفظ أنه بعد النبوة صعد ذلك الجبل، ولا حاول الخلوة والتفرد ولا انقطع عن الناس؛ بل لم يزل مع الناس ثلاث عشرة سنة بمكة يدعو إلى توحيد الله، ويخالط الناس ويجالسهم، ويعاشر أهله ويعلم أتباعه ما أوحي إليه، ويبلغ الناس رسالة ربه، وهكذا بعد أن هاجر إلى المدينة استمر في الدعوة والتعليم، وكان يجلس مجالس عامة يقرأ فيها القرآن، ويبين معانيه ويتلقى عنه أصحابه علم الشريعة، وتفاصيلها مع ما يقوم به من غزوات بنفسه، وبعث جيوش أو سرايا ودعاة إلى الله وجُباة، وبعث رسل وكتب لشرح تفاصيل الإسلام، وكل هذه الأعمال ونحوها تنافي أعمال الصوفية التي معظمها يدور على الخلوة والابتعاد عن مجتمع الناس، وعلى ترك الشهوات المباحة من: النكاح، وتناول الطيبات، وإعطاء النفس حظها من المباح، الذي يتقوى به على عبادة الله، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". فأين في سنته فعل الخلوة أو مدح الانقطاع عن الناس، أو التواجد والطرب عند السماع أو نحو ذلك؟! بل إ نه قد نهى عن السماع الذي يستعمله الصوفية وذم أهله، فأما ما يرويه الصوفية من تواجده وطربه في بعض المناسبات فكله كذب لا أصل له والله الموفق.
ثانياً: إن حلاوة الأنس بالله تكون بذكر الله واتباع شرعه:
ثم قال الكاتب: