فقوله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) هذه في العلم السابق، ومعناه أن كل شيء له زمان، وله وقت لا يتجاوزه ولا يتعداه ولا يتغير عن ما هو عليه، فإذا قدر الله تعالى أن هذا الإنسان يولد له كذا فلابد أن يتحقق ذلك الذي قدره الله وأراده؛ ولو حصل ما حصل من العوائق، وكذلك إذا قدر الله أن هذا لا يولد له فإنه لا يولد له ولو فعل ما فعل، وإذا قدر الله أن هذا لا يولد له حتى يفعل السبب الفلاني فإنه يتوقف أن يولد له على فعله ذلك السبب، وقد علم الله أنه يفعله في آخر الأمر أو نحو ذلك.

وهكذا إذا قدر الله مثلاً أن هذه الأرض تنبت كذا وكذا شجرة فلابد أن تنبته في الزمن الذي حدد، وأن هذه الشجرة أو هذه النبتة تنبت في اليوم الفلاني وتفنى باليوم الفلاني، وتثمر كذا وكذا، وعلم عدد أوراقها كما في قوله تعالى: (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) (الأنعام:59) ، فعلم ذلك وحدوده داخل في هذه الآية: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (القمر:49) ؛ أي بمقدار وزمان، محدد أوله وآخره.

كذلك قوله تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديراً) (الفرقان:2) ، أي قدر زمان الذي خلقه، خلق الذراري وقدر أعمالهم وآجالهم، فإذا حملت المرأة أرسل الله الملك فيكتب أجله، وعمله، وشقي أو سعيد، ورزقه حلال أو حرام، وهو في بطن أمه، ولكن هذه كتابة خاصة. وكذلك أيضاً جميع ما يحدث داخلٌ في هذه الآية (وخلق كل شيء فقدره تقديراً) أي حدده وحدد قدرته، وقوته ومبدأه ومنتهاه وما يصير إليه.

وأما قوله تعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) (الأنبياء:23) ، فهذا القضاء الذي هو العلم السابق، وكذلك القدرة على الأفعال؛ لأنه يفعل الأشياء ولا يسأل عن الحكمة فيها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015