فمن هداه الله فهو فضل منه، ومن أضله فهو عدل منه، ولا أحد يقدر أن يغير ما وقع؛ لقوله تعالى: (ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهد الله فما له من مضل) (الزمر:36-37) ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث خطبة الحاجة: (من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له) رواه مسلم فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
ولكنه سبحانه خلق الخلق، وقسمهم إلى أهل طاعة، وأهل معصية، وعلم أهل الخير من أهل الشر، وعلم من يكون قابلاً للخير أهلاً له، ومن يكون قابلاً للشر أهلاً له، فجعل هؤلاء أشقياء وهؤلاء سعداء، ولله الحجة البالغة يقول الله تعالى: (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) (الأنعام:149) ، (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) (الشعراء:4) ؛ يعني لو شاء الله لأنزل عليهم آية فاهتدوا بها كلهم، ولكن علم الله من هو أهل للهدي ومن هو أهل للشقاوة يقول الله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام * ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً) (الأنعام:125) .
فإذا هدى الله تعالى هؤلاء، فلابد أن نعتقد أن ذلك فضل منه، وإذا أضل هؤلاء فذلك عدل منه، وأنه لو شاء لهدى الناس كلهم، فلا محيد لأحد عن القضاء الذي قضاه، ولا مخرج له عما حتمه عليه.
وفي حديث القدر يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه) . أي أن ما تكره من الأمور المقدرة فإنها عن حكمة حصلت، وأن الذي قدرها حكيم يفعل ما يشاء قضاءً وقدراً، وحكمة وشرعاً، لا محيد لأحد عن القضاء المحتوم الذي قدره.