(أراد ما العالم فاعلوه) يعني جميع ما في الكون وما يحصل من الكائنات، فإنه مراد لله تعالى، ولكن هذه الإرادة تسمى إرادة كونية قدرية؛ لأنها يدخل فيها جميع الكائنات -فهي مرادة لله، فجميع الأفعال التي تحصل والتي تحدث كلها مرادة لله؛ الطاعات، والمعاصي، والمصائب، والحوادث، والأرزاق، والآجال كلها مرادة لله تعالى، داخلة في إرادته، ولا تخرج عن كونها مرادة لله، فطاعات العباد مرادة، ومعاصيهم مرادة، ولكن إرادة المعاصي الموجودة إرادة كونية قدرية.
وبهذا نعرف أن الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية. فالإرادة الكونية يلزم وقوع مرادها، فكل ما أراده الله كوناً وقدراً فإنه لابد حاصل وواقع، فالمعاصي الموجودة قد أرادها الله كوناً وقدراً، والمصائب الحاصلة قد أرادها الله كوناً وقدراً، والأرزاق الموجودة -ولو كانت حراماً- قد أرادها الله كوناً وقدراً، وكذلك الأولاد ذكوراً وإناثاً، والأرزاق والمكاسب والحرف، والصناعات، والدراسات والعلوم، وكل ما يجري في هذا الكون كله قد أراده الله كوناً وقدراً؛ لأنه فعال لما يريد، فلا يكون في الوجود إلا ما يريد.
ولو عصمهم لما عصوه ولما خالفوه، فهو الذي يهدي من يشاء فضلاً منه ورحمة، ويضل من يشاء عدلاً منه وحكمة، فمن علم الله فيه خيراً وعلم من قلبه إقبالاً وتقبلاً للخير هداه الله وأنار قلبه. ومن علم الله أنه شريرٌ وعلم أنه من أهل الشر، وأنه لا خير فيه حَرمَه الهداية، وحال بينه وبين الإيمان وقسّى قلبه وصده عن الخير (ولا يظلم ربك أحداً) (الكهف:49) .