وقوله تعالى: (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) (الأعراف:143) علق الله تعالى رؤيته على ثبوت الجبل، فيمكن أن يثبت الجبل مكانه، والله تعالى يقول؛ إذا ثبت الجبل فإنك ستراني، فإذا كان الثبوت ممكناً فالرؤية ممكنة، والله تعالى يقدر أن يثبت الجبل لبروزه سبحانه ولتجليه، وقد علّق عليه رؤية موسى، فدل على إمكانها. كما أن إمكان الثبوت متحقق، فقوله تعالى: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً) (الأعراف:143) تجلى الله تعالى كما يشاء للجبل، فإذا تجلى للجبل أفليس يمكن أن يتجلى لعباده يوم القيامة.
الجبل جماد تجلى الله له، ومع ذلك فإن الجبل لما تجلى له آنذاك ذهب حتى قيل: إنه انخسف في الأرض، وذلك لهيبة الله ولجلاله، لما أنه تجلى للجبل جعله دكاء، فالآية دليل على إثبات الرؤية لا على نفيها، وإلا لم يكن موسى عليه السلام سأل الرؤية، وهو من أعلم الخلق بربهم.
ثم إن الخليلي -الذي ذكرناه- في كتابه (الحق الدامغ) تسلط على هذه الآيات التي استدل بها أهل السنة، وحرفها تحريفاً بعيداً حتى إنه هو وغيره في قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) (القيامة:22-23) قالوا: إن الله لم يذكر العيون إنما ذكر الوجوه، وقال بعضهم: النظر ليس هو المعاينة، وإنما هو انتظار الثواب؛ ناظرة للثواب، وتمحل بعضهم، وحرف كلمة (إلى) وقال: الإلي واحد الآلاء يعني النعم، (إلى) أي نعمة ربها ناظرة!!
فمن أين لهم هذا الاستنباط الذي ما تفطن له أحد نم العلماء ولا من السلف؟ إن قولهم: (إلى) أي نعمة ربها ناظرة، تمحل وتكلف وصرف للقرآن عن مدلوله. هذا قوله المعتزلة.