وأما الآية الثانية: وهي قصة موسى -عليه السلام-، قال تعالى: (قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) (الأعراف:143) ، أولاً: موسى عليه السلام نبي الله، كلمه الله، وحمله رسالته، واصطفاه، قال تعالى: (واصطنعتك لنفسي) (طه:41) ، وقال تعالى: (إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي) (الأعراف:144) ، فهل موسى عليه السلام -وهو نبي الله- يجهل ما يجب على الله، وما يجوز على الله؟ هل يكون المعتزلة أعلم من موسى بربه؟ حاشا وكلا، لا يمكن لموسى أن يجهل وهم يعلمون، إن موسى صلى الله عليه وسلم الذي هو من أولي العزم، ومن أشرف الأنبياء ومن أفضلهم لا يجهل هذا الحكم، فهل يأتي المعتزلة ونحوهم ويعلمون مالا يعلمه موسى؟ هذا من أمحل المحال.

ثانياً: قول موسى (رب أرني أنظر إليك) (الأعراف:143) هذا في الدنيا، يعني أراد أن يتمكن من النظر إلى ربه رجاء أن يزيد بذلك يقينه، أو أن يتنعم ويتلذذ بهذا النظر، قال الله له: (لن تراني) (الأعراف:143) ، وليس في هذا عتاب.

فالله تعالى قد عاتب نوحاً عليه السلام لما قال: (رب إن ابني من أهلي) (هود:45) ، قال الله سبحانه وتعالى: (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) (هود:46) أنكر على نوح لما سأل: ربي نج ابني الذي غرق في البحر، غرق في الطوفان، ربي إنك قد وعدتني أن تنجيني وأهلي، وإن ابني من أهلي، والله تعالى يقول: (وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم) (المؤمنون:27) .

فأنكر عليه ذلك ولم ينكر على موسى لما قال: (رب أرني أنظر إليك) (الأعراف:143) بل قال تعالى: (لن تراني) (الأعراف:143) يعني لا تراني في هذه الدنيا، لأن بنية الإنسان في الدنيا ضعيفة لا تتمكن من التمثل أمام عظمة الله تعالى، فخلقنا في هذه الدنيا لا يمكن أن تثبت لجلال الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015