هذا وصف للقرآن (متلو بالألسن) أي نقرؤه بألسنتنا، ونسمعه بآذاننا قال الله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) (الأعراف:204) ، (مكتوب في المصاحف) أي نكتبه بأيدينا في المصاحف، ويسطر فيها أسطراً متتابعة، فهو بهذه الصفات لا يخرج عن كونه كلام الله، إذا قرأه القارئ فإنه كلام الله، يقال: هذا يتكلم بكلام الله، ولو كان بعضه حكاية لغيره، فإذا قلنا مثلاً قوله تعالى: (فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى) (النازعات:23-24) قلنا: هذا كلام الله عن فرعون، وإذا قرأنا قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) (الأعراف:17) قلنا: هذا كلام الله عن إبليس، فالحاصل أنه إذا كتب لم يخرج عن كونه كلام الله، وإذا قرئ، وإذا نسخ -بمعنى كُتب ونُقل- من مصحف في مصحف، فكله كلام الله.
وقد اشتمل القرآن على محكم ومتشابه في قوله تعالى: (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) (آل عمران:7) ، وقد فسر المحكم بأنه الذي ليس فيه نسخ ولا تغيير، وبأنه الذي يفهمه من يسمعه؛ هذا هو المحكم، فآيات الأحكام محكمة ظاهرة الإحكام، وأما المتشابه فهو الذي يشتبه على بعض الناس، وقد تقدم في أول الرسالة ذكر الذين يتبعون ما تشابه منه، وهم أهل الزيغ، وذكرنا أمثلة مما يتشبثون به.
وفيه -أي القرآن- (أمر ونهي) ؛ الأمر مثل قوله تعالى: (اعبدوا ربكم) (البقرة:21) ، والنهي مثل قوله تعالى: (ولا تشركوا به شيئاً) (النساء:36) ، وفيه (ناسخ ومنسوخ) يعني آيات منسوخ لفظها، أو منسوخ معناها، وكذلك أيضاً فيه مطلق ومقيد؛ المطلق الذي يحتاج إلى تقييد مثل قوله تعالى: (فتحرير رقبة) (النساء:92) .