فإذا قال النفاة: إن قوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده) إن الفوقية هنا فوقية الغلبة، يعني الغالب فوق عباده، يعني غالباً لهم وقاهراً لهم، وشبهوا ذلك بقول فرعون: (وإنا فوقهم قاهرون) (الأعراف:127) وكذلك قالوا: إن العلو هنا علو الغلبة، وعلو القهر، وقالوا: إن هذه شبيهة بقول فرعون: (أنا ربكم الأعلى) (النازعات:24) .
الجواب أولاً: هذا لا يتأتى في آية: (يخافون ربهم من فوقهم) فإنه صريح في أن الفوقية ثابتة من فوقهم، ويمكن أن يصح في قوله: (وهو القاهر فوق عباده) أنها فوقية القهر وفوقية الغلبة وفوقية القدر، ومع ذلك يلزم من فوقية القهر فوقية الذات، فالله تعالى فوق عباده بذاته، والعلي بقدره، والعلي بقهره، يعني القاهر لهم، والذي هو فوقهم كما يشاء سبحانه وتعالى.
ومثل ذلك آيات الرفع؛ كقوله تعالى: (والعمل الصالح يرفعه) (فاطر:10) ، (إني متوفيك ورافعك إلي) (آل عمران:55) ونحوها، وآيات العروج قال تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه) (المعارج:4) ، (ثم يعرج إليه) (السجدة:5) ، وآيات الصعود قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب) (فاطر:10) .
ومثلها ما ذكر الله عن فرعون أنه أراد الصعود إلى السماء قال تعالى في قصته: (يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) (غافر:36-37) لابد أن موسى أخبره بأن الله في السماء، ولو كان موسى أخبره بأن الله في كل مكان لما تكلف أن يبني الصرح، فهذا دليل على أن الله تعالى أمر موسى بأن يبين له ويعلمه أن الرب تعالى في السماء، فلذلك بنى الصرح محاولا أن يطلع على إله موسى.
ومن الأدلة على ذلك إقرار الأشاعرة بالرؤية؛ رؤية المؤمنين لربهم، ولذلك أنكرها المعتزلة، وقالوا: إنها تستلزم أن الله تعالى في جهة، ونحن نقول: نعم إن الله في جهة العلو.