ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أصحابه بكثرة البدع وبكثرة الاختلافات، ففي حديث العرباض الذي ذكرنا يقول صلى الله عليه وسلم: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً) يعني من طالت حياته فسيرى اختلافاً كثيراً، وقد وقع هذا الاختلاف، أوله: خلافهم على عثمان حتى قتلوه، ثم خلافهم فيما بينهم حتى حصلت المعارك، ثم خروج الخوارج، وقتالهم من لقوه من المسلمين، ثم بعد ذلك خروج القدرية وخروج الرافضة، وهكذا البدع التي خرجت.
فابن مسعود رضي الله عنه يقول: اتبعوا من قبلكم ولا تبتدعوا من قبل أنفسكم يعني في الشريعة، وتتعبدوا بالبدع، فقد كفيتم أي قد وضحت الشريعة لكم فاقتصروا عليها.
مسألة: قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في هذا الباب
قوله:
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كلاماً معناه: (قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفُّوا، ولهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل -لو كان فيها- أحرى، لئن قلتم: حدث بعدهم. فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم مُحَسِّر، وما دونهم مُقَصِّر، لقد قصَّر عنهم قوم فجفَوا، وتجاوزهم آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدىً مستقيم) .
شرح:
عمر بن عبد العزيز خليفة راشد، ألحقه علماء الأمة بالخلفاء الراشدين مع قصر مدة خلافته (سنتان وبضعة اشهر) كخلافة أبي بكر، ولكن أعاد فيها الحق إلى نصابه، وأبطل البدع والمحدثات، ونصر السنة، وقمع المبتدعة، ورد المظالم، وعدل في الناس، وسار سيرة حسنة حمده عليها جميع المسلمين، ولم ينقم عليه لا من قريب، ولا من بعيد.