قد يتوقف في بعض الكلمات، ولكن قصده في ذلك الرد على الممثلة الذين يبالغون في الإثبات حتى يخرج بهم هذا الإثبات إلى نوع من التشبيه، فذكر أنا نؤمن بهذه الصفات، ونؤمن بهذه الآيات؛ يعني نصدق بها ونعتقد صحتها، وصحة معناها، ودلالتها، وذلك لأنها كلام الله، أو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ صحت عنه، وثبتت عنه، وقد أمرنا باتباعه، وأمرنا بطاعته، وقد عرف نصحه لأمته، وعرف بفصاحته وبيانه وبلاغته.

وإذا اجتمعت فيه هذه الصفات؛ كونه ناصحاً للأمة، حريصاً على نجاتها، وكونه فصيحاً بليغاً يعبر بالكلمات المفهومة التي لا لبس فيها أو خفاء، وكونه قد بلغ كل شيء، وعلم الأمة كل ما يهمهم، وما يحتاجون إليه، وأن هذه البيانات التي رويت عنه ثابتة قطعية الثبوت لا راد لها ولا طعن في أسانيدها؛ فكيف مع ذلك نردها؟.

بل الواجب أن نقبلها، ونجعلها في ضمن معتقدنا، ولكن لا نكيَّفها كما ثبت ذلك عن السلف أنهم قالوا: أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف. أي لا تسألوا: عن الكيفية.

والكلمة التي تشكل في هذا الأثر قوله: (لا كيف ولا معنى) ونحن نعتقد أن للصفات معنى، ونعتقد أن المعاني مفهومة، ولذلك فمراده بالمعنى هنا هو الماهية، وقصده أن ماهية تلك الصفة لا نخوض فيها، فلا نقول مثلاً: إن الله تعالى يبصر بعين مركبة من طبقات، ويحيط بها مشافر -مثلاً- وأهداب، ويسمع مثلاً بآذان وبأصمخة، وبكذا وبكذا، ويتكلم مثلاً بقصبة هوائية، وبلسان وشفتين لا نقول مثل هذا، ولكنا إذا أثبتنا الصفات أثبتناها حقيقة دون أن نبحث عن هذا، فلعل هذا هو مراد الإمام أحمد بقوله (لا كيف ولا معنى) ، فالكيف مجهول يعني كيفية الصفة، وأما المعنى فهو مفهوم بدلالته اللغوية، وخفي بكيفيته وكنهه، وأما الكلام فهو الكلام المسموع الذي يفهمه من سمعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015