قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا) أو (إن الله يرى في القيامة) وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها، ونصدق بها، لا كيف، ولا معنى ولا نرد شيئاً منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (الشورى:11) .
شرح:
نقل ابن قدامة رحمه الله بعض الآثار عن الأئمة، وقصده بذلك الاستئناس بها وليس اعتمادها، فقد قالها أئمة مقتدى بهم، معروفة مكانتهم، معترف بفضلهم، مشهور علمهم وكتبهم، يترحم عليم ويدعى لهم في كل زمان، فهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبه نطقوا، وبهم نطق، هؤلاء سرج الأرض، وأئمة الدنيا في زمانهم وبعد زمانهم، فإذا جاءت الآثار عنهم فإنها تكون محل قبول.
هذا الأثر عن الإمام أحمد قد يكون فيه بعض الإشكالات، وهو أثر ثابت عنه، رواه عنه بالإسناد القاضي أبو يعلى الفراء المشهور الحنبلي في كتاب له مطبوع اسمه (إبطال التأويل) .
لما سئل الإمام أحمد عن أحاديث الصفات؛ كأحاديث النزول، أو أحاديث الرؤية، وكذلك آيات الصفات -جاء فيها بالصواب، وإن كان لفظاً مجملاً، وقد أفصح فيها رحمه الله بما هو الصواب في كثير من كتبه، وأثبت بأن الله تعالى يُرى حقيقة بالأبصار، وأنه ينزل كما يشاء إلى سماء الدنيا، وأنه على عرشه استوى، وعلى الملك احتوى، وأنه يسمع كل شيء، ولا يستر سمعه شيء، وأنه يرى ولا يستر بصره شيء، ونحو ذلك من الصفات، أثبتها إثباتا حقيقياً.