وإذا قلت: إن هناك من طغى وبغى، وهناك من تجبر وعتا، وهناك من كفر ونفر، وهناك من تعدى طوره؛ فأين هؤلاء من قهر الله؟ أليسوا مقهورين؟ أليسوا يلينون لعزة الله ويذلون لها؟ أليسوا مهانين؟ أليسوا مملوكين تحت ملك الله تعالى؟ فما هذا الطغيان؟ وما هذا العسف؟ وما هذا التجبر؟ وما هذا الظلم الذي صدر منهم؟ وما هذا العتو والعدوان على عباد الله الذي نشاهده من الكفرة ونحوهم؟ أين قهر الخالق تعالى لهم؟ أين إذلاله لهم؟ أين السيطرة عليهم؟ .
الجواب: أن هذا لا ينافي كونه سبحانه قاهراً لكل مخلوق قهراً قوياً، وله سبحانه الغلبة والسيطرة على المخلوقات، ولكن تأمل كلامنا السابق عن صفة الحلم، وأنه سبحانه وتعالى يحلُم ولا يعجل، يمهل ولا يهمل، يسمع ويَعلم أفعالهم وتعديهم، ولكنه يمهلهم إلى أجل وإلى حين، فعند ذلك ينتقم منهم، وهو العزيز ذو الانتقام، فلا يغتر الظالم بجبروته، وبقوته وسيطرته، وبما أعطي من القوة؛ فإنه مقهور ومستولى عليه، ولا بد أن يؤخذ الحق منه.
أيحسب الظالم في ظلمه ... أهمله القادر أم أمهلا
ما أهملهم بل لهم موعد ... لن يجدوا من دونه موئلا
فلا يحسب أنه مهمّل، بل إن الله تعالى يمهل ولا يهمل، يمهلهم إلى أجل؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) . ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) (هود:102) .
وقال في حديث آخر: (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) (الأنعام،:44) .
وقال تعالى: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين) (القلم:44-45) .