فالله تعالى يملي لهم ويمهلهم سنوات وعشرات السنين، ولكن إذا أخذهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر، فإما أن يبطش بهم، وإما أن يسلط عليهم من هو أقوى منهم؛ إذاً فهذه الصفة صفة صحيحة ثابتة لله تعالى ندين بها، ولا نقول: إن هناك من خرج عن قهر الله، أو خرج عن غلبة الله، ولا أن هناك من اغتر بنفسه وليس لله قدرة عليه، فلله تعالى قدرة على الجميع.

فالله تعالى قادر على كل شيء، وكل الخلق تحت تصرفه، وفي قبضته، وينتقم منهم إذا شاء، ويسلط عليهم من ينتقم منهم، أو يعمهم بالعقوبة؛ إذاً فلا يغتروا بالإمهال، يا أيها الظالم في فعله يا من تماديت واعتقدت أنك من الناجين لا تغتر بذلك، فالظلم مردود على من ظلم، والله تعالى ينتقم من الظالم ويأخذه أخذ عزيز مقتدر، هذا معنى قوله: (قهر كل مخلوق عزة وحكماً) .

قوله تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً) (طه:110) هذه الآية مشتملة أيضاً على صفة من الصفات الفعلية الذاتية، فإن العلم صفة ذاتية فعلية بمعنى أن الله لا يمكن أن يتصف بفقد العلم، فالعلم صفة ذاتية لله تعالى. قال سبحانه: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) (الحديد: 22) ، معرفة ذلك سهلة يسيرة على الله تعالى، كذلك قال تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) في عدة آيات.

وقد فسر قوله: (ما بين أيديهم) بأنه ما قد ملكوه (وما خلفهم) ما سوف يحصلون عليه ويتملكون عليه.

وفسر (ما بين أيديهم) يعني الخلق الذين قد مضوا، (وما خلفهم) الذين سوف يخلقون فيما بعد، وفسر (ما بين أيديهم) يعني ما أمامهم مما يشاهدونه (وما خلفهم) أي ما وراء ظهورهم مما لا يشاهدونه.

والأقرب أن الآية عامة، وأما الأصل، فإن الله يعلم ما قبلهم وما بعدهم، ويعلم ما أحاطوا به الآن، وما سوف يعلمونه فيما بعد، يعلم ذلك كله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015