ثم إنه تلقاها عنه -أي بدعة التعطيل- الجهم بن صفوان السمر قندي، وهو الذي نشرها ونسبت إليه، وكثر الذين تلقوها عنه، وإن كانوا قلة في ذلك الزمان، ولكن ظهر لهم بعد ذلك أنصار وأعوان، فمنهم بشر المريسي الذي أعلن هذه البدعة؛ بدعة إنكار الصفات، ومنها صفة العلو لله تعالى، وإنكار أن الله متكلم، وأن القرآن ليس كلامه، ونحو ذلك من التعطيل.
ولما كان في آخر القرن الثاني، وأول القرن الثالث، كان وزراء الملوك أغلبهم من اليونان، ومن الترك، وكانوا غالباً من المجوس في عقيدتهم، ومن النصارى، وعندهم من كتب النصارى وكتب الفلاسفة بقايا، فزينوا للخلفاء أن يترجموها إلى اللغة العربية، فترجموا كتباً كثيرة من كتب الفلاسفة والملاحدة، ومن كتب اليونان من نصارى ومجوس ونحوهم.
ولما انتشرت تلك الكتب كان في طياتها التشكيك في الخالق، وفي مبدأ الخلق وفي منتهاه، مما كان سبباً في كثرة الزندقة، فظهر في ذلك الوقت مذهب الزندقة، وهو الذي يسمى بمبدأ الشيوعية فتمكنت الشيوعية وظهرت.
ولكن فطن لهم الخليفة المهدي رحمه الله، فقتل منهم خلقاً كثيراً، فكل من اتهم بأنه زنديق منكر للخلق والخالق، أو يذهب مذاهب الفلاسفة في إنكار بدء الخلق وإعادته، ويدعي أن الأمر مسند إلى الطبائع ونحو ذلك؛ أخذه وقتله، ولم يكن يستتيبهم لعلمه أنهم منافقون يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وأنهم أظهروا الإسلام وقصدوا من إظهاره إفساد العقائد، حتى يثق الناس بهم ويأخذوا منهم، فإذا أخذوا منهم أعطوهم ما يريدون من التشكيك، ومن الارتباك في أمر العقيدة، حتى يزعزعوا عقيدة الكثير من الناس، هذا هو السبب في فشو هذا المذهب الشيوعي.