ذكر المترجمون للمهدي: أنه أحضر أحدهم لما ثبت عنده أنه زنديق وحكم بقتله، فقال ذلك الزنديق: كيف تفعل بأربعة آلاف حديث كذبتها وبثثتها في المسلمين، فقال المهدي: تعيش لها نقادها، أي أن الله تعالى قد قيض لها علماء ينقحون الأحاديث ويبينون زيفها، ويظهرون ما هو مكذوب ودخيل على السنة، يعني أمثال الأئمة الذين كتبوا في الأحاديث، وبينوا عللها، وبينوا المكذوب منها والموضوع والصحيح والضعيف.
وبكل حال فهذا الوقت انتشر فيه هذا المذهب الشيوعي الخبيث بسبب تعريب هذه الكتب، ومن أثر انتشارها كثرة الخوض في علوم جديدة سماها السلف رحمهم الله (علم الكلام) ، هكذا أطلقوا عليه، وقصدوا به العلم الذي يخوض في الأمور الخفية؛ في الجواهر والأعراض والأبعاض، والافتراضات، وما أشبه ذلك.
وهذا الكلام هو الذي شغل كثيراً من أهل القرون المتأخرة، بحيث إنهم كرسوا جهودهم في هذا الكلام، وأخذوا يفترضون افتراضات؛ إن كان كذا، فماذا يكون كذا؟، وما هو جوابه، حتى ملؤوا صدور الناس بمالا فائدة فيه، وملؤوا الكتب بما لا أهمية له، فكان ذلك مما حمل العلماء على التحذير من علم الكلام، كقول الشافعي رحمه الله: (حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويطاف بهم في العشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك القرآن، وأقبل على الكلام) ، وغيره كثير من الذين حذروا من علم الكلام.
ومع الأسف فقد انتشر علم الكلام هذا في كتب الأشاعرة، وفي كتب المعتزلة؛ فحشدوا الكثير منه في كتب التفسير، وفي كتب العقائد، وفي كتب الأصول وما أشبهها، وافترضوا افتراضات لا دليل عليها.