وبعد ذلك: خرجت القدرية في آخر عهد الصحابة، وقد أدركهم بعض الصحابة كعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وغيرهم من الذين تأخر موتهم ومن رؤوس القدرية غيلان القدري ومعبد الجهني؛ خرجوا في آخر عهد الصحابة، وأنكروا علم الله السابق للأشياء قبل وجودها، وقالوا إنما يعلم الأشياء عندما تحدث، وهذا هو معنى قولهم: (إن الأمر أُنف) فشنع عليهم الصحابة، واحتجوا عليهم بالأدلة وبالآيات والأحاديث، وحذروا من طرقهم ومن شأنهم، وقد كانوا قلة مغمورين لا يتفطن لهم ولا يؤبه لهم، وإنما الغلبة لأهل السنة والظهور لهم، والكثرة لهم والحمد لله، بينما هم أفراد لا يسمع لهم إلا من هو ضعيف الإدراك، وضعيف العقل.
ثم ظهرت المعتزلة في أول القرن الثاني، اعتزلوا مجلس الحسن البصري، وكان رئيسهم الذي يقال له واصل بن عطاء يجلس يقرر مذهبه، وأخذ يشير لهم الحسن ويقول: هؤلاء المعتزلة اعتزلوا مع واصل، فمن ثم اشتهر هذا المذهب الذي هو مذهب الاعتزال بهذا الاسم.
ولعله تأتي بعض الإشارات إليه فيما بعد، ومع ذلك فإن أهله قلة، ومنهم عمرو ابن عبيد الذي وجد في وسط القرن الثاني وكان يظهر التنسك، ولكنه مبتدع منحرف في باب الاعتقاد.
ثم ظهرت أيضاً: بدعة التعطيل، وما أدراك ما هذه البدعة الشنيعة العظيمة المنكرة؛ إنها بدعة الجهمية الذين أنكروا صفات الله تعالى، وتأولوا نصوصها، وبالغوا في إنكارها، وكان أول من أنكر بعضها (الجعد بن درهم) ، وهو الذي قتله خالد القسري في يوم عيد الأضحى، وقصته مشهورة.