وهناك أيضاً توسط في الصحابة، بل وفي غيرهم من أولياء الله. ونبدأ بالتوسط في الصحابة، فنقول: إن هناك طائفتين في الصحابة منحرفتين، إحداهما قد فرطت، والأخرى قد أفرطت. وأهل السنة وسط بينهما، لا إفراط ولا تفريط. ففي الصحابة، بل وفي أهل البيت خاصة فرقتان، فرقة تكفرهم وتستبيح دماءهم، ويقال لهم النواصب الذين نصبوا العداوة للصحابة وأخرجهم من الإسلام. وفرقة تغلوا فيهم وتجعل عليا هو الله، أو هو الرسول أو أحق بالرسالة، وتعبده وتعبد ذريته من بعده من دون الله. وهذه الفرقة هي الرافضة الذين يتسمون بأنهم شيعة علي، يعني أنصاره. وكذبوا فليسوا بشيعته، بل هم أعداؤه وأعداء سيرته وطريقته. وأهل السنة توسطوا لا إفراط ولا تفريط. فقالوا: إن علياً وأولاده وأهل بيته لهم حق الولاية والصحبة والإسلام والأسبقية والقرابة، ولكن لا نفضلهم على الخلفاء الذين قبل علي، ولا نغلوا فيهم أو نمدحهم بما ليس فيهم، بل لهم هذا الشرف والقرابة ولا يستحقون أو يوصفوا بما لا يستحقونه هم ولا غيرهم، سواء من حق الله أو من حق الرسول عليه الصلاة والسلام. فلم يزيدوا ويغلو كغلو الرافضة الذين جعلوا علياً إلهاً، حتى قال بعضهم: أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين، وحيدرة يعني علياً، وبعضهم يدعي أنه أولى بالرسالة، ويزعم أن جبريل عليه السلام خان الأمانة، وكان قد أرسل إلى علي فأوصل هذه الرسالة إلى محمد. فهؤلاء قد زادوا وغلوا. وجاء الطائفة الثانية الذين كفروا وسبوا علياً ومن معه وأخرجوهم من الإسلام فجفوا، وجاء أهل السنة فكانوا وسطاً يبن الغلو والجفاء، بين الإفراط والتفريط، فجعلوه صحابياً جليلاً، سابقاً، من السابقين الأولين له قرابته وله صهره، وله أفضليته، ولكن لا نعطيه حقاً من حقوق الله، ولا حقاً من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نغلو فيه فوق ما يستحقه هو أو غيره من حق الله.